الشعوب الواعية عندما تَمنح صفة عظيم او كبير لأحد القادة ، فان لها شروطاً عديدة ولايكفي ان يكون القائد نزيه ونظيف اليد لكي يحصل على هذا اللقب. ماذا لو كان نزيهاً ولايسرق لكنه مُسرِف ومبذّر وينفق دون حدود على رفاهه الشخصي؟هل هو نزيه ؟
من الطبيعي والواجب ان يكون القائد نزيه لذلك لاينبغي الاعجاب الشديد بسياسي نزيه ، بل يجب البحث عن ادوار وممارسات أخرى تجعل اللقب مستحقاً.
كذلك لايجوز الاعجاب والانبهار بمسؤول قام ببناء شيء ما ، اليس هذا واجبه ؟ هل المفروض ان لايبني ؟ واذا بنى شيئاً ننبهر به الى حد التقديس؟ من قال له ان يصبح قائداً ؟ هو الذي اراد ذلك وعليه ان يتحمل المسؤولية كاملةً.
اليوم ارسل لي صديق عزيز مقالة نشرها شخص يمتدح فيها نزاهة عدد من قادة العالم المعروفين وكيف انهم ماتوا وهم فقراء لانهم كانوا قادة نزيهين..مع انهم قاموا باعمال جبّارة لبلدانهم ..
احدهم وجدوا في جيبه مبلغ بسيط وآخر كان يقترض على راتبه وآخر مات وهو لايمتلك بيت الخ..
بعض هؤلاء القادة كان من الافضل لو كان سارقاً فقط بدون ارتكابه للمجازر الفظيعة وتدمير مجتمعاتهم .
ابتدء الرجل ،الذي لا أريد ذكر اسمه تحاشياً للشخصنة وتركيزاً على الظاهرة، بالقائد السوفيتي لينين الذي أسس الاتحاد السوفيتي الذي كلّف تأسيسه ملايين الارواح ثم سقط ذلك الاتحاد السوفييتي بالشكل الذي نعرفه وانتقده المواطنون السوفييت قبل غيرهم.
عاش المواطنون فيه في جوع وفقر مستمر وضغط أمني هائل.
ماجدوى النزاهة اذا كان القائد قد أسس كياناً خاطئاً قال عنه الفيلسوف توينبي (الذي كان معجباً جداً بالنظام السوفييتي) عندما زار الاتحاد السوفييتي بدعوة من ستالين، انه نظام خاطيء ومعاكس لقوانين الطبيعة وسوف يسقط حتماً بعد ستين او سبعين سنة!! وهذا ماحصل بالضبط.
ثم انتقل صاحبنا الكاتب المحترم الى ستالين الذي امتدحه لانه ترك عند موته دولة فيها عشرين ألف دبابة وهزم النازية !!
هل يعرف الرجل كم كلفت قرارات ستالين العسكرية الخاطئة في حربه ضد هتلر ،كم كلفت الشعوب السوفييتية من خسائر بشرية دون ضرورة؟ وهل يعرف كم أعدم من خيرة الضباط على الشبهة؟وهل يعلم ان بعض افضل الضباط تم جلبهم من سجون سيبيريا لكي يشاركوا في الحرب لانهم اكفاء جداً وساهموا في هزيمة النازية!!
وهل يعرف كم كلفت سياساته الزراعية تلك الشعوب من مجاعات ؟ هل يعرف انه قتل الملايين على الشبهة ؟
ماجدوى انه مات بدون ان يترك بيتاً لابنته إزاء تلك المجازر؟ لنقل انه نزيه لكنه صاحب الفظاعات الكثيرة،
ومن قال ان روسيا وباقي دول الاتحاد السوفيتي ماكانت لتتقدم ابداً بدون البلاشفة؟؟ ام هي العصبية السياسية والايديولوجية ؟
ثم ينتقل الى كاسترو الذي قال عنه بسطحية فائقة : انه أسس كوبا الحديثة !! علما انه لايوجد شيء حديث في كوبا وصارت مدنها تشبه المتاحف المهجورة وسياراتها سكراب الاربعينيات والخمسينيات وبشرها فقراء ومعزولين عن العالم منذ الخمسينيات والضغط الأمني لايطاق.والآن يتظاهر الشعب الكوبي ضد النظام..
ثم يذهب الى سيرة الزعيم الفييتنامي هوشي منه، الذي قال انه جعل فييتنام قوة صناعية جبارة ( كلام غير مسؤول).
علماً ان هوشي منه جعل شعبه ضحيةً ووقوداً لحرب بالنيابة بين الصين والاتحاد السوفيتي من جانب وامريكا من جانب آخر انتهت بهزيمة امريكا، لكنها كلّفت الشعب الفييتنامي ثلاثة ملايين ضحية وتدمير غير مسبوق.
اما متى تحوّلت فييتنام الى دولة صناعية ، فأنها تحولت بعد الانفتاح على الغرب الرأسمالي وبالذات امريكا واستقبلت الاستثمارات الاجنبية المباشرة من الامبريالية . عدد من مثقفي فييتنام يقولون : لماذا حاربنا امريكا ولماذا عدنا الى حضنها ؟ بدأت التنمية عندما تحولوا الى الرأسمالية برعاية الدولة الشيوعية شكلياً.
ثم يتناول تجربة ماو تسي تونغ ،في الصين الذي قال عنه: انه حوّل الصين خلال خمس سنوات الى قوة صناعية عظمى، وهذا غير صحيح لأن الصين كانت راكدة وصناعاتها موضع تندّر لرداءتها الى أن جاء دنغ هسياو بينغ
الذي بدء في أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في إرسال البعثات إلى البلاد الغربية لدراسة الهندسة والاقتصاد والادارة الحديثة لغرض تطوير الاقتصاد الوطني.
واعتمد على هؤلاء الذين يسمون “تكنوقراط” في حل مشاكل الصين وتطويرها وتشغيل الصينيين.
وانفتح الاقتصاد الصيني على الاستثمارات الاجنبية وبالذات الامريكية.. وبذلك تطورت الصين عندما اصبحت “عصفور رأسمالي في قفص اشتراكي”.. بعض المتعصبين يرفضون القبول بأن التحول نحو الرأسمالية هو سبب التطور ويعتقدون ان الشيوعية هي السبب مع ان الشيوعية لم تستطع إحداث هذه القفزة منذ ان جاءت للحكم نهاية الاربعينيات..قطاع خاص زائداً رأسمالية دولة أمنية قاسية ، هذه هي الوصفة الصينية…
يختم الكاتب بالرئيس الجزائري بومدين وعبد الكريم قاسم في العراق،
كانا نزيهين فعلاً لكنهما لم يؤسسا نظاماً مستداماً يستمر بعد رحيلهما.
عبد الكريم قاسم وصفه المرحوم ابراهيم كبة بالقول : (انه كان نموذجاً فذّاً للأميّة السياسية) ..
اهتم بالفقراء بشكل شخصي ولم يستطع اقامة نظام مؤسسي يتولى ذلك ولم يضع دستوراً دائماً ولم يؤسس لانتخابات او تداول سلمي للسلطة واستهل عهده بمجزرة.
وعندما انقلب عليه ابناء الشوارع وروّاد البارات الرخيصة ، حطّموا كل مابناه في ايام..
تقييم الزعماء يعتمد على حزمة من الانجازات ولايعتمد على نقاط مضيئة منتقاة لكي نضفي عليهم البطولة والعظمة..
ادارة البلدان مسؤولية جسيمة وليست نوع من العبث والاختبار والتفضّل على الشعوب..