9 أبريل، 2024 3:04 ص
Search
Close this search box.

ليرمنتوف…سبع نقاط من الذاكرة

Facebook
Twitter
LinkedIn

ستحتفل الاوساط الثقافية الروسية والعالمية في عام 2014 بالذكرى المئوية الثانية لميلاد ليرمنتوف.هذه السطور – مقدمة عراقية لتلك الاحتفالية.
ض.ن.
1
+++
ميخائيل يوريفتش ليرمنتوف عاش ( 27) سنة فقط, ومع ذلك اصبح واحدا من كبار ادباء روسيا والعالم, وسيبقى هكذا – شاعرا عملاقا وروائيا عظيما وكاتبا مسرحيا كبيرا.
2
+++
ظهرت اول قصيدة له وكانت بعنوان ( موت شاعر ) عام 1837, وهي تتناول موت بوشكين في المبارزة المعروفة في ذلك العام,وتلاقفتها الايادي رأسا, وتحول اسم الشاعر المجهول كليا آنذاك ليرمنتوف الى علم من اعلام الشعر الروسي فجأة, بل وبدأ الحديث عن ظهور بوشكين جديد في الادب الروسي. وبين عام 1837 (ظهور قصيدته تلك) وعام 1841( تاريخ مقتله في مبارزة مع احد زملائه), اي على مدى اربع سنوات فقط نشر ليرمنتوف ابداعه في الشعر والنثر والمسرحية وشغل مكانه البارز الكبير في مسيرة الادب الروسي وتاريخه, وكان في ذلك الوقت ضابطا في الجيش الروسي. لقد استطاع هذا الشاب ان يحقق كل  ذلك عندما كان عمره يتراوح بين 24 سنة الى 27 سنة ليس الا. ياللدهشة!
3
+++
عندما كنت طالبا في كلية الاداب بجامعة موسكو في بداية ستينيات القرن العشرين, تحدث نيكيتا خروشوف- رئيس الدولة السوفيتية وحزبها الشيوعي آنذاك عن استغرابه من عدم وجود تمثال لهذا الاديب الروسي الكبير في موسكو, وبعدئذ تم افتتاح تمثال له في موسكو بمنطقة غير بعيدة عن مركز المدينة , سبق للشاعر ان عاش فيهاوتسمى ( كراسنيه فوروتا) , وابدلوا تسمية محطة المترو الى ( ليرمنتوفسكايا), وذهبنا – نحن طلبة كلية الاداب – لمشاهدة ذلك التمثال الرائع , والذي نقشوا على منصته مقطعا من شعره حول موسكو, والذي يخاطب  فيه موسكو  قائلا انه يحبها  ( بشكل ملتهب/ ورقيق) , ووقفنا عند التمثال الذي كان فيه ليرمنتوف واقفا وهو يرتدي المعطف باناقة وشاعرية ورومانسية, وخلفه حديقة خضراء. بعد مرور خمسين سنة من تلك الزيارة,عدت الى موسكو وزرت المنطقة ورأيت التمثال نفسه , الا انهم اعادوا التسمية القديمة لمحطة المترو ليس الا, وتذكرت الايام الليرمنتوفية الخوالي.
4
+++
عندما كنت طالب دراسات عليا في جامعة باريس نهاية ستينيات القرن العشرين, قرأت في الجريدة الروسية ( روسكايا ميسل) ( الفكر الروسي ) والتي كان يصدرها اللاجئون الروس (البيض ) في باريس اعلانا عن محاضرة يلقيها بروفيسور جامعة موسكو سابقا ايلين( وهو اسم معروف في الاوساط الاكاديمية الروسية قبل ثورة اكتوبر 1917 ), وذهبت بالطبع للاستماع الى تلك المحاضرة. كنت ( الشاب ) الوحيد بين الحاضرين الروس المتقدمين في السن, وأثرت استغرابهم, بحيث ان الشخص الذي كان يجلس جنبي سألني – من أنت؟ فاجبته , وتعجب وقال انه يلتقي لاول مرة بعراقي يتحدث بالروسية ويهتم بشعر ليرمنتوف, وسألني – كم عمرك؟ فقلت له – 28 سنة , فضحك وقال ان عمره مثل عمري ولكن يجب تغيير مواقع الارقام, اي 82 سنة. كان البروفيسور ايلين يلقي محاضرته شفاها , واستمر لمدة ساعتين, وكان يقرأ عن ظهر قلب مقاطع طويلة من قصائد ليرمنتوف, واعترض احد المستمعين لمرة واحدة فقط وصحح له مقطعا واحدا, وقد اعتذر ايلين ووافق على هذا التصحيح, وتحدث البروفيسور عن ليرمنتوف وسبب خلوده في تاريخ الادب والفكر الروسي, وهاجم بعنف الناقد الروسي الادبي المعروف بيلينسكي واطلق عليه تسمية – ( الطالب الفاشل ), وقال انه لم يستوعب عظمة بوشكين وليرمنتوف,و كان من الواضح ان ايلين يميل الى ليرمنتوف اكثر من بوشكين, لانه يعبر عن حزن الانسان الدفين في اعماق الانسان الروسي, وقد وجدت اثناء اختلاطي بالجالية الروسية من المهاجرين ان هذا هو الرأي السائد لدى اكثريتهم.
5
+++
كثيرا ما كنت اتحدث مع طلبتي في قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد في الثلث الاخير من القرن العشرين عن ترجمة  الدكتور سامي الدروبي لرواية ليرمنتوف ( بطل زماننا/ او عصرنا ) والتي ترجمها الدروبي هكذا – ( بطل من هذا الزمان), واؤكد لهم, ان الترجمة الحرفية لا تستطيع في كثير من الاحيان ان تعبر عن جمالية النص الاجنبي,وكم اتمنى ان ارجع يوما للكتابة عن ذلك, واتوقف طويلا عند تفصيلات خلافاتنا ( نحن اساتذة قسم اللغة الروسية آنذاك) حول كل ذلك.
6
+++
طلبتي كانوا يحبون ( اثناء تدريسي لمادة الشعر الروسي ) قصيدة ليرمنتوف – (أشعر بالسأم وبالحزن   ), وكانوا يحفظونها عن ظهر قلب ببساطة اثناء الدرس نفسه. لقد وجد طلبة العراق في قصيدة ليرمنتوف تلك  ( ضالتهم), اذ انها تعبر بدقة عن ذلك السأم والحزن واليأس في عراق تلك الايام, وقد كنت اشرح لهم ان عظمة ليرمنتوف ( كما هو حال كل الادباء العظام في العالم) تكمن في انه يعبر عن الاحاسيس الانسانية بغض النظر عن القومية والدين والزمن , وكان الطلبة يقتنعون بذلك ويتقبلون تلك الافكار( في مختبر ) قصائد ليرمنتوف.
7
+++
عندما أقام مركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش الروسية عام 2011 تمثالا نصفيا لاحمد بن فضلان , حدث نقاش حاد بين مؤيدي هذا التمثال وبين معارضيه, اذ اشار القوميون الروس الى انهم يعارضون اقامة التمثال لان ابن فضلان كتب في رسالته الشهيرة عن الشعب الروسي اشياء سلبية منها انه لم يكن يغتسل ( في القرن العاشر ), فاجابوهم ان ليرمنتوف كتب قصيدة في القرن التاسع عشر بعنوان ( وداعا يا روسيا ) , عندما نفوه الى القوقاز, وذكر فيها انه يودع روسيا ( التي لم تغتسل ), وطرحوا عليهم سؤالا محددا وهو – ( هل نمنع شعر ليرمنتوف بسبب ذلك ؟ ). لقد ساعد ليرمنتوف على تثبيت تمثال ابن فضلان في روسيا, واتوجه اليه الان , باسم مركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش واقول له – شكرا جزيلا يا ميخائيل يوريفتش .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب