مقولة لطالما سمعناها في أكثر من محفل.. وقرأناها في أكثر من مقال.. وبدورنا رددناها في أكثر من مقام، تلك هي؛ “العبرة لمن اعتبر”.. ذلك أن حياتنا ملأى بتقلب الأحداث وتغيرها تارة للأحسن.. وأخرى للأسوأ، وهذا ديدنها منذ الأزل، ونحن بين مكذب ومصدق لما يجري حولنا، بل أحيانا ينقلب الصدق في ظرف الى كذب، والعكس أحيانا في آخر كما قال المتنبي:
ومن صحب الدنيا طويلاً تقلّبت
على عينه حتى يرى صدقها كذبا
وسعيد من اتخذ مما يمر به من تجارب درسا وموعظة تنفعه في دنياه، وهي كذلك رصيد له في آخرته.
في مقالي هذا موعظة لي ثانية.. وللقارئ ثالثة.. أما أولا وبالدرجة الأساس فهي لساستنا ومتقلدي زمام أمور الرعية، من العراقيين الذين طال بهم الضيم وضاقوا ذرعا بحمل الـ (ظلايم) بعدما ظنوا أنها انزاحت بانزياح المقبور صدام ونظامه.
تلك الموعظة تكمن في قصة حياة بطل العالم بكرة التنس وأسطورة ويمبلدون ببريطانيا (آرثر)، الذي توفي نتيجة اصابته بمرض نقص المناعة المكتسبة (الآيدز)، بعد ان انتقل اليه المرض عن طريق نقل دم ملوث له أثناء إجراء عملية جراحية في قلبه. يقول آرثر انه تلقى كثيرا من الرسائل من معجبيه ومتتبعي أخباره الذين يواسونه ويصبرونه على مرضه، الذي بت الأطباء فيه بأن آرثر لن يعيش أكثر من شهور معدودة. سأله احد المعجبين في احدى الرسائل: “لماذا انت بالذات اختارك الله لتعاني من هذا المرض اللعين؟” أجابه آرثر: “من هذا العالم، بدأ 500 مليون طفل ممارسة لعبة التنس، منهم 50 مليون تعلموا قواعد لعبة التنس، من هؤلاء 5 مليون أصبحوا لاعبين محترفين ثم وصل 50 ألف إلى محيط ملاعب المحترفين، من هؤلاء وصل 5 آلاف للمنافسة على بطولة “الجراند سلام” بفرنسا، من هؤلاء وصل 50 للمنافسة على بطولة ويمبلدون ببريطانيا ليفوز 4 للوصول إلى دور ما قبل النهائي، من الأربعة وصل 2 إلى الدور النهائي، وأخيرا فاز منافس واحد فقط.. وكان ذلك الفائز أنا..! وعندما تسلمت كأس البطولة ورفعته في نشوة وفرحة لم أسأل ربي لماذا أنا بالذات منحتنى العون لاجتاز كل العقبات التي واجهتني؟ لم أقل له لماذا أنا بالذات دون الملايين وصلت الى الدور النهائي ونلت الفوز؟! لم أقل له لماذا انا بالذات اخترتني دون هؤلاء جميعا لأكون بطل العالم؟! فهل من المنطقي والمعقول أن أقول له اليوم لماذا أنا بالذات اخترتني لأعاني من هذا المرض اللعين؟!”
انتهت قصة آرثر ومات.. وأعود الى المقولة التي بدأت بها مقالي “العبرة لمن اعتبر”.. أليست قصة آرثر جديرة ان تكون عبرة لنا جميعا؟!، واول من يعتبر بها أولو الامر والحكم المسؤولون عن ملايين العباد الذين طال انتظارهم لما تجود به اجتماعاتهم ولقاءاتهم. فكما سأل أحدهم آرثر، أتوجه بسؤال من منبري هذا الى السياسيين والمسؤولين: عندما حباكم الله وميّزكم بمناصبكم وبما تتمتعون به من مرتبات مليونية، ومنازل فخمة وأراضٍ وجاه وسلطة ونفوذ، أليس الأولى بكم ان تتخذوا ما مر به آرثر درسا يحثكم على حمد الله والثناء عليه، وذلك ببذل الجهود لخدمة بلدكم وأبناء جلدتكم، وإيلاء العراقيين اهتماما أكثر -وهو واجبكم- مادام الله قد أبعد عنكم شبح مرض كان قد خص به لاعبنا آرثر؟.