22 ديسمبر، 2024 8:46 م

ليبرالي .. في زمن الاعراب !؟

ليبرالي .. في زمن الاعراب !؟

قال ناصح : مدافن العظماء في قلوب الاجيال !
لــــــــــم يَعُدْ  الوضع في عراق اليوم مقبولا .. بعد  الغزو التتري لنينوى  وما بعدها , بايدي عصابات داعش والزمر السائرين بركابها .. ولم يكن  يجري الذي جرى من فوضى وخراب واسالة ظالمة لدماء الابرياء , لو ان ( ساسة )  عراق مابعد التغيير كانوا بمستوى المسؤولية الوطنية والاخلاقية . ويمتلكون ثقافة ديمقراطية تؤهلهم لممارستها في السلطة او المعارضة .. فهم اسلامويون وقوميون متعصبون في الاغلب او عشائريون طارؤون على السياسة  الاّ القليل النادر ممن تصدى للشأن العام مابعد  التغيير .. ولهذا إرتأيت ان أرتشف من تراث عملاق الفكر الانساني ماهو مثار فخر في ممارسة مفاهيم الحرية والعدالة  في ادارة شؤون البلاد والعباد عسى ان يكون ذلك  بلسما لجراحنا في هذا المشهد العصيب لوضعنا !

لقد كان عصر الامام  هو عصر الحريات في التفكير والتعبير عن الراي في المجتمعات العامة و الخاصة .. وافقت الحكم القائم ام خالفته .. لقد قدّر للامام علي ع .. ان يمارس هذه الحرية محكوما وحاكما – فكان في الحالتين من ارفع الامثلة في ممارستها.. ففي قبل خلافته – حين دُعيَّ الى البيعة – بعد رسول الله , وهو يؤمن بان الخلافة حقا من حقوقه جعلها له رسول الله (ص) بمشهد عامة المسلمين  – يوم غدير خم –  ومع هذا الحق الصريح لم يجد بُدّا من اعلان معارضته للوضع القائم بالامتناع عن البيعة , واستعمال حقه في حرية المعارضة  .. على إنه حين شاهد , مايقوم به بعض الانتهازيين حين حاولوا الاستفادة من معارضته , واستغلال ثقله القيادي بإحداث ثورة داخلية لقلب نظام الحكم , وإعلانها حربا على الاسلام ..  وإن اصراره على استعمال حقه في المعارضة .. سيكون عونا لهم على ذلك .. أعلن الامام تجميد هذا الحق , وسارع الى بيعة ابي بكر( رض )  , لاحباط المؤامرة في مهدها – وهو بعد مصّر على ان الحق له – كما اوضح موقفه هذا لاهل الكوفة بعد ذلك  بقوله : (( فأمسكت يديَّ , ورأيت أني أحق بمقام محمد في الناس ممن تولّى بعده , ولبثت بذلك ما شاء الله , حتى رأيتُ راجعة من الناس رجعت عن الاسلام يدعون الى محق دين محمد . فخشيت إن لم أنصر الاسلام واهله , أن ارى فيه ثلما وهدما ويكون المصاب بهما عليَّ أعظم من فوت ولاية اموركم ))  … الى  ان يقول فمشيت الى ابي بكر فبايعته !

واستمر الامام في استعماله لحقه في المعارضة , ولكن في حدود مايدعوا اليه الصالح العام .. من تنبيه على خطأ يراه في سياسة , او خلل في تطبيق نظام الدولة ( الدستور ) .. ولقد إطمأن الحكام في ذلك الوقت الى سلامة نيته , فكانوا لذلك لايانفون عن الاخذ برأيه , وربما بدأوه بالاستشارة فأشار لهم بما كان يراه صالحا , وكثيرا ماكانوا يرسلون بحقه  كلمات الاكبار .. امثال قول الخليفة عمر (رض)  (( لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها ابو الحسن علي )) .. اما دوره في صيانة حق المعارضة في ايام حكمه , فتتجلّى في مواقفه مع معارضيه – حين امتنعوا عن بيعته من كبار خصومه –  امثال سعد بن ابي وقاص , وعبد الله بن عمر بن الخطاب , وحسان بن ثابت .. وقد حاول اصحابه ان ينتزعوا البيعة له منهم إنتزاعا , فأبى  وقال فيما قال : (( لاحاجة لنا فيمن لاحاجة له فينا )) .. وظلت هذه الكلمة  اكبر دستور له يسير في حدوده مدة خلافته – حتى اذا أساؤوا إستعمال  هذا الحق ورفعوا السلاح بوجه الشرعية .. قصد اليهم .. كما في معارك الجمل وصفين والنهروان .. وكان يقوم قبل ان يبدأهم بقتال .. بمحاولات سلمية واسعة لتسوية الموقف .. وكانت وصايا الامام لجنوده : (( لاتقاتلوهم حتى يبدأوكم , فاذا كانت الهزيمه لهم باذن الله , فلا تقتلوا مدبرا , ولا تجهزوا على جريح , ولا تُهيجوا النساء باذى , وإن شتمن اعراضكم , وسببن امراءكم )) .

لقد كان موقفه من الخوارج – وهم اشّد معارضيه – من اروع المواقف واكثرها تعبيرا عن صيانته لهذا الحق .. فقد اباح لهم ان يسلكوا مختلف الاساليب للتعبير عن آرائهم .. وكانوا يعايشونه في الكوفة .. فتكلموا وخطبوا وتجمهروا وجادلوا .. وقد يتجاوزون حدود الآداب  – حين يعترضه احدهم وهو خارج من مسجد الكوفة – ويخاطبه بكل صلافة بالقول : بأنه لم يأتمَّ به , ولن يشهد معه  الصلاة , ولن يأتمّرَ بامره .. فيجيبه الامام : (( انه يسالمه ما سلمت امور المسلمين منه )) .. ولم يتَعرّض الامام لهؤلاء بسوء .. بل كان يجادلهم بنفسه تارة , وبواسطة ابن عمه – عبد الله بن عباس – تارة اخرى .. حتى اذا خرجوا من الكوفة بمحض ارادتهم , وشكلّوا من انفسهم عصابة , وتعرّضوا الى الآخرين بالقوة  لحملهم على اعتناق مبدئهم , وكان ماكان منهم من اقلاق الراي العام , وتهديد الامن  والتعدي على الابرياء – امثال عبد الله بن خباب بالقتل – خرج اليهم الامام لتأديبهم , وهو مع ذلك لم يقاتلهم حتى قام بمحاولاته السلمية .. حتى اذا أرجعت كثيرا منهم الى الطاعة والاعتراف بالخطأ .. والشيء الذي كان يتفرَّد بها الامام إذ ذاك , أنه جعل -المعارضة الشريفة , وهي التي لاتتعدى النصيحة  –  هي من حقوق الحاكم على رعيته .. حتى انه قال : واما حقي فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب .. وقد قال في احدى خطبه بصفين : (( وإنه من استثقل الحق ان يُقال له , والعدل ان يُعرض عليه , كان العمل بهما عليه أثقل ))  .. (( فلا تكفّوا عن مقال بحق , او مشورة بعدل )) … 333333333333333333333333333333333333333333ومن بليغ مأثوراته  : (( رحم الله إمرءا رأى حقا فأعان عليه , وأن {اى جورا فرده , وكان عونا بالحق على صاحبه )) … وبما أن حرية المعرضة تستدعي الشفافية من النظام الحاكم , ليتسنى للمعارضة ان تقوّم عمل الحاكم .. لهذا فقد اعطى الامام للمعارضة هذا الحق _ فقال في خطاب له مع معارضيه : (( ألا إن لكم عندي , ان لا أحتجز دونكم سرا الاّ في حرب , ولا أطوّي دونكم أمرا الاّ في حكم شرعي _ وهذا الاستثناء طبيعي – فالحرب لا تذاع اسرارها بحال , والاّ بلغت  العدو فيننقض عليهم خططهم  من اساسها .. والحُكم الشرعي  لايقبل الاخذ والرد .. مادامت نصوصه التشريعية لاتقبل التغيير او التبديل .. وللحديث بقية !

لك الله ياعراق الخير .
ضمير مستتر : ماوجدت في التاريخ من يستحق كلمة  استاذ بتمام مفهومها سوى رجل واحد ( علي بن ابي طالب ) .. روسو