جرت العادة في كل عام أن تنشر المؤسسات والمنظمات المعنية بمتابعة ظاهرة الفساد ومؤشراته ومعدلاته التصاعدية والتنازلية في بلدان العالم عبر وسائل الإعلام المختلفة ، ومن خلال هذه المؤشرات يمكن إستقراء حجم الوطنية التي تحملها الشعوب والقادة والطبقة السياسية تجاه أوطانها ، وكذلك تؤشر الأطر العامة لمديات التربية والثقافة المجتمعية والاساليب المتبعة لإستيعاب المثل العليا لطبيعة حياتها في حاضرها على جميع الصعد وتطلعاتها نحو مستقبل أجيالها ، كما أن هذه المؤشرات من سياقات النتائج التي تتوصل اليها تبين الكيفية التي تدار بها الدول من قبل قادتها ضمن بودقة الدساتير والتشريعات والقوانين والخطط والستراتيجات والمناهج التي تتبعها وتحرص على تطبيقها ويمكن إستنتاج مقاييس للوطنية التي يتمسكون بها والإخلاص والامانة التي يحملونها والإدارة الناجعة التي يسيرون على أسسها . وتبقى القوانين المبنية على العدالة الإجتماعية وتطبيقها والالتزام بها هو الشاخص الذي يكن له المجتمع بكل مكوناته كامل الإحترام وتعاليمه ترسم الإطار العام لإدارة الدولة ، لذا فإن الدول التي صاغت أو تصيغ قوانينها بما ينسجم وتطلعات شعوبها نحو التقدم والرفاهية والإزدهار والسلام والإستقرار تكون فيها معدلات الفساد بإنخفاض مستمر وصولآ الى حالة الضمور وإختفاء هذه الظاهرة .
بنظرة سريعة عند الإطلاع على النتائج التي إستخلصتها المؤسسات المعنية بظاهرة الفساد يتبين أن الدول الإسكندنافية ومنها الدنمارك تتربع على عرش الشفافية العالمية وإنحسار الفساد فيها ، في حين تتصدر قائمة الفساد بعض الدول الإسلامية والعربية بالذات وفي مقدمتها (جمهورية العراق) حيث يغوص في أعماق مستنقع الفساد في العالم وذلك لفقدان الوازع الوطني لدى قادته الغير مؤهلين لإدارته والغياب المستمر عن سماءه أغلب المفاهيم والقيم الأخلاقية ، ومع وجود القانون إلا أنه معصوب العينين ويسير وسط الظلام بخطى متعرجة . والطامة الكبرى يتشدق قادته ومن يلوذ بهم ويطبل لهم إلتزامهم العقائدي بالدين الإسلامي والرسالة السماوية السمحاء التي خطت بإتقان حد المثالية للكيفية التي تدار بها الحياة وإعمار البلاد وحقوق العباد ومواصفات القادة المتصدين لإدارة شؤون الرعية والخطوط العامة للحقوق والواجبات بما يحقق العدالة والمساواة لبني البشر والتي سنها وفصلها وأوضحها وطبقها نبي الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتكون منارآ للإنسان عبر العصور ، إلا أن الوقائع تشير الى أن المنهج الذي دعا اليه الرسول الأكرم (ص) في إتجاه وما تتبناه الطبقة السياسية العراقية وتطبقه وتسير عليه في إتجاه آخر ولا يمت بأي صلة بالدعوة الإسلامية ولا بأي تشريع سماوي ولا حتى بالتشريعات الوضعية التي تدعوا للمحبة والسلام والعدالة والمساواة ولا بأي شكل من أشكال الإنسانية والكارثة يرافقها في هذه المتبنيات والسلوكيات الكثيرين من النفعيين والمطبلين والإنتهازيين تبعآ لمصالح مشتركة أو جهل ممزوج بعبودية ، كما وأن ظاهرة الفساد المستشرية والمتغلغلة في جميع مفاصل الدولة ألقت بظلالها على الأوساط المجتمعية وأصبح التداول بالفساد أمرآ إعتياديآ وثقافة عامة ..