7 أبريل، 2024 2:47 ص
Search
Close this search box.

لو كُنتَ فقيرا …

Facebook
Twitter
LinkedIn

لو كُنتَ فقيرا ، وتعثّرتَ في إمتحانات الفرصة الوحيدة في الإمتحانات الوزارية ، فستُحرم من أية كلية مرموقة حتى لو كنت تحمل عقلية (أينشتاين) ، وسيزاحمك الطلاب الأغنياء ، حتى لو كانوا نزقين أغبياء ، كان ذووهم قد إشتروا لهم الأسئلة قُبيل الإمتحانات ، وسيُفتح لهم باب المستقبل على مصراعيه ، أو أن يدخل هؤلاء الطلاب ، أرقى الإختصاصات بأقساط سنوية قد تزيد عن 15 مليون دينار للجامعات الأهلية ، أما أنت ، فسيُقتَل طموحك ، وما عليك إلا أن تقضي عمرك في وظيفة متواضعة لا تحبها ، وستدوسك الأقدام ، وتكون نسيا منسيا ، هكذا يُحرم البلد من عطاء الفقراء وهم الأغلبية ، وأنت ترقب بلدك وهو ينهار ويذوب لأنه بيد مَن يتقاذفه من الصبية والتافهين تقاذفَ الصّبية للكُرة .

لو كُنتَ فقيرا ، فلن تكون قادرا على تحمّل النفقات الباهضة لترميم أسنانك التي غالبا ما تكون مسوّسة ، إما بسبب سوء التغذية ، أو بسبب الوراثة فأسلافك من الفقراء أيضا ، ولا يوجد ما تبتسم لأجله ، لكنك ستزُمّ شفتيك كلما داهمتك إبتسامة نادرة ، لتخفي منظرها عن الناس .

لو كنت فقيرا عاشقا ، فلن تملك ما تبهر به معشوقتك ، وفي أحسن الأحوال ستهديها باقة من الورود الذابلة ، بسبب الوقت الطويل الذي ستستغرقه في مواصلات العالم السفلي ، سينعكس ذلك على ملبسك المتواضع ، وستشعر بسهام خائنة أعين الناس .

لو كنتَ فقيرا وألمّ بك مرضٌ ما ، فما عليك إلا أن تتحمل الألم ، وستجد نفسك مضطرا لمعايشته ، وستذوي حتى الموت ، لأنك لا تتحمل نفقات التحاليل والدواء والمعاينة ، فضلا عن السفر للخارج للعلاج كأقرانك من الأغنياء ، بل لو كنت فقيرا ، فليس بإختيارك أن تتناول غذاءً متوازنا تشتهيه ليرُمّ عظمك ، هذا إن وجدتَ ما تأكله ، وستصاب بسوء التغذية ، هذا إن لم يداهمك الموت باكرا بسبب الشعور بعدم الرضا من هذه الحياة وهو يلازمك كظلك ، وأنت ترى أن الحياة قد فتحت ذراعيها للمتزلفين والمنافقين والإنتهازيين والفاسدين بل والفاشلين ، وأنت لا تتلقى منها ، سوى الصفعة تلو الصفعة ، بل وانت تسمع أفواها تلوك مصطلحات العالم المثالي وألسنٌ تلهج بالنزاهة وصدق الحديث ، ثم لا تلبث هذه الأفواه ، أن تبصق كل تلك الكلمات عند أول فرصة إختلاء مع النفس .

لو كنتَ فقيرا ، ولم ترث شيئا من ذويك وهذا هو الأرجح ، وهو مصدر المال الوحيد لإمتلاك العقار ، فلا تحلم بإمتلاكك منزلا ، لأن أزمة السكن ، هي أكبر أزمة “مفتعلة” تواجه البلد ، وستقضي حياتك في إستئجار المنازل الوضيعة ، وسيدمِّر مبلغ الإيجار راتبك ، وسيزاحمك على قوت يومك إلى درجة التجويع ، وأنت بهذا أسوأ من العبد ، فالعبد على الأقل قد ضمن إيواءَه وقوتَ يومه لدى سادته مقابل عمله .

لو كنتَ فقيرا ، ستتقلّص أمامك كل آفاق الترفيه عن النفس إلى درجة التلاشي ، ولن تستطيع السفر ، وستقضي جلّ وقتك ، غارقا في الهموم ورثاء الحال ، والتفكير في مشاريع عقيمة متوهما أنها قد تنتشلك من واقعك المزري ، وبالنتيجة ستتآكل صحتك ، وسترتسم على سحنتك ، أخاديدٌ عميقةٌ قبل الأوان .

لو كنتَ فقيرا ، وصار لك شأن مع الأمن والقانون والقضاء (أبعدك الله عنه) ، وزُجِجْتَ بالسجن لسبب مهما كان بسيطا ، فلن تكون قادرا على تسديد أجور المحامي ، ولن تستطيع رشوة القضاء أو رجالات الأمن ، وستتعفن في السجن ، وأنت ترى من خلف القضبان ، عتاة المجرمين والقتلة بل والإرهابيين ، ينعمون بالحرية ! .

(لكل إنسان الحق في الحياة) ، أول عبارة من لائحة حقوق الإنسان ، لكنه مبدأ معطّل وغير معمولٌ به ، وهنالك من الساسة من يعمل على إدامة الفقر لأجل الإثراء بسرقة حقك والإتجار بفقرك سياسيا وإقتصاديا .

أخطر مَن يدلّس للفقر ، ويغسلون الأدمغة ليجعلونك ترضى به ، بل وتُثابُ عليه ، وإبقائك محصورا تحت خطه ، هم وعّاظ السلاطين ، الشق الثاني والمكمل لفساد السلطة ، يلوكون عبارات حق يرادُ بها باطلٌ ، نحو :الفقراء يدخلون الجنة ، والفقراء أحباب الله ، والفقر ليس عيبا ، ولسان حالهم يقول : عليك الرضا بالفقر ، هذا قدرك ، إبق فقيرا فمَن ننهب إلا أمثالك وأنت أضعف حلقة في المجتمع ؟! .

هم لا يتطرقون إلى عبارات الإمام علي الخالدة (لو كان الفقرُ رجُلا ، لقتَلْتُه) و (ما جاعَ فقيرٌ إلا بما مُتّعَ به غني) لا يذكرون عبارة (أبو ذر) وهو يقول (عجبي ممن لا يملك قوتَ يومِه ، كيف لا يظهر على الناس شاهرا سيفه) ويُنسَبُ إليه القول (لولا رغيف الخبز ، ما عُبِدَ الله) ! ، شذرات رائعة تدعو للثورة على الفقر وضرورة الإفلات من طوقه الجهنمي الذي لم يكن ليظهر لولا حرص السلطات الظالمة لإحكامه على رقاب الفقراء ، فالفقر أكبر مدعاة لإهدار كرامة الإنسان في مجتمعاتنا ، إنه وازع الجريمة الأول والإنحراف ، ورأس كل آفة ورذيلة ومرض وتخلّف ، والقائمة تطول ، فكم من الفقراء يصل الحال بهم إلى إستصغار النفس ، زائدة دودية في المجتمع ، وسيلوم من كان مسؤولا عن وجوده في الحياة ، أبواه ، حسنا ، ربما سيكون هذه المرة على حق ! .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب