23 ديسمبر، 2024 10:03 ص

لو كنت سفيرا في العراق

لو كنت سفيرا في العراق

تم عقد الجلسة الاولى للبرلمان العراقي (الدورة الرابعة) لعام ٢٠١٨ في موعدها المحدد من قبل رئيس الجمهورية حسب سياقات الدستور. وقد سبق اجتماع المجلس جولات متشعبة من اللقاءات والحوارات والسجالات الاستعراضية والتحريضية والتخوينية والتشكيكية والتهديدية والتحفيزية على الطريقة العراقية لبلورة شكل الكتلة الأكبر التي ستفرز شخصية رئيس الوزراء القادم الذي يفترض انه سيتولى إدارة الدولة العراقية وفق البرنامج الحكومي الواضح والمحدد مسبقا ضمن إطار البرنامج السياسي الواضح والمحدد مسبقا ايضا من قبل الكتلة الأكبر.
وحسب ما ينص عليه الدستور والقوانين ذات العلاقة ان يتم خلال الجلسة الاولى للبرلمان التصويت على كابينة رئاسة البرلمان (رئيس البرلمان ومساعديه) ، ويتم في الجلسة الاولى تسمية وإعلان الكتلة الأكبر التي ستفرز رئيس الوزراء ، وكذلك يتم التصويت باغلبية الثلثين على مرشح رئاسة الجمهورية. خلاصة القول ان هذه الإجراءات ينبغي ان تتم خلال الجلسة الاولى . أصبحت هذه المعلومات والاجراءات والسياقات من البديهيات المعروفة لدى عامة الناس والتي يفترض ان لا يثار عليها من نقاشات وتحليلات متناقضة وتأويلات لها من قبل ممثلي الأحزاب والكتل والتي نشاهدها في معظم برامج الحوار في وسائل الاعلام العراقية ، وكأن الفرد العراقي مخلوق غبي ينطلي عليه كل ما يطرح في الاعلام . المشكلة الرئيسية ان معظم الكتل السياسية لها من القوة المادية (المالية خصوصا) والقوة العنفية (بامتلاكها السلاح بمختلف أنواعه) والقوة الإسنادية (انتمائها لدولة خارجية)، وبذلك يصبح ، وفق العرف السياسي العراقي ، ان من يملك هذه القوى وسمح له بممارسة العمل السياسي وفق الأسس الديموقراطية ان يلعب اللعبة السياسية وفق منظوره الخاص وسيجعل من العملية السياسية الديموقراطية عبارة عن حلبة صراع الغالب فيها هو من يملك عناصر القوة المادية والعنفية والاسنادية. وبذلك يتولد نظام جديد اساسه الظاهر ديموقراطي وباطنه شبه ديكتاتوري مذهبي او عنصري فاشي.
ما حصل في الاجتماع الاول لمجلس النواب يكشف الحقائق التالية:
١- عقد الاجتماع الاول للبرلمان دون التصويت على رئاسة البرلمان ومساعديه ( مخالفة دستورية)
٢- لم يتم تسمية الكتلة الأكبر التي ستتولى تسمية رئيس الوزراء للدورة القادمة ( تم تسمية كتلتين تدعي كل منها بأنها الكتلة الأكبر ). وكأن المسألة لعب أطفال بلعبة ” الدعبل – الكرات الزجاجية ” يدعي كل طفل بانه حصل على اكبر عدد من الدعابل .
٣- انسحاب النواب المنطوين تحت كتلة معينة من اجتماع المجلس لتحقيق عدم النصاب القانوني بهدف عرقلة الاستمرار بمنهاج مجلس النواب وهو عبارة عن مصلحة فئوية على حساب المصلحة الوطنية.
٤- ان عدم اتخاذ الكرد موقف محدد في اجتماع المجلس يعكس مدى التفضيل الواضح لجميع المكونات، سواء الكردية او السنية او الشيعية والمكونات الاخرى جميعا، لمصالحها الذاتية وتغليب المصلحة الفئوية على المصلحة الوطنية. وهذا يشمل المكونات الاخرى بدون استثناء.
٥-لا تجد في كل الطروحات المعلنة ضمن العملية المسرحية اي موقع او اهتمام للشخص العراقي، يبقى الفرد العراقي عبارة عن اداة وليس كائن حي له حقوقه وواجباته ، اداة سهله لتطويعه حسب رغبات القوى الجاهلة المسيطرة.
٦- بعد تجربة خمسة عشر سنة على الأقل في ممارسة الحكم ، تبقى مشاكل العملية السياسية في العراق كما هي سواء من الناحية الدستورية او التنظيمية دون اي حل .
خلاصة القول ، ان كل مشاكل العملية السياسية وإخفاقها في خلق المناخ الديموقراطي الصحيح هو تبوء المشهد السياسي في العراق لفئة جاهله غير مثقفة وغير متحضرة وغير متعلمة لتقود بلد يقال عنه انه بلد الحضارات. بصراحة تامة ان المشهد السياسي يقوده أركان احزاب الاسلام السياسي الذي فشل وسوف يفشل في قيادة دولة كالعراق. جميع ممثلي احزاب الاسلام السياسي عبارة عن أشخاص جهلة لا يصلحون الا لموعظة الجمعة.
اذا” كل ما جرى في اروقة مجلس النواب يشوبه الكثير من الانتقادات والتساؤلات أهمها مايلي:
١- لماذا لم يتم الالتزام بنصوص الدستور والقوانين ذات العلاقة في الجلسة الاولى للبرلمان
٢- لماذا لم يتم التصويت على رئيس مجلس النواب ونائبيه حسب سياقات الدستور
٣- لماذا يتم تقديم قائمة الكتلة الأكبر من اكثر من جهة واحدة علما انه يفترض ان تكون هناك كتلة اكبر واحدة ، علما بان قيام اكثر من جهة تدعي بأنها الكتلةالاكبر كأنها لعبة أطفال بكل معنى الكلمة.
٤- يفترض بالمحكمة الاتحادية انها فسرت مفهوم الكتلة الأكبر مسبقا لكي تعتمد في اجتماع مجلس النواب ، ولكن يبدو ان الجميع سواء الكتل السياسية او مفوضية الانتخابات او المحكمة الاتحادية جاهلة تماما بكل العملية السياسية ، والجميع يتصرف حسب الظروف والمستجدات الانية والمصالح الفئوية.
ضمن هذا الواقع، وفي هذا السياق ، لو كنت سفيرا لبلد متقدم ديموقراطي مستضيفا وحاضرا الجلسة الاولى لمجلس النواب العراقي (كالسفير الاميريكي او غيره من سفراء العالم المتحضر مثلا) لأصبت بدهشة لما يجري من تطبيق للديموقراطية في هذا البلد العجيب ،،،،،( بلد يعترف ضمنيا من خلال نخبه السياسية بأنتمائه الى خارج الفضاء الوطني ، بلد نخبه السياسية تجهل ابسط مقومات إدارة الدولة ، بلد تعتقد نخبه السياسية بان الحصول على المواقع والمناصب المتقدمة في الدولة عبارة عن مكسب وليس مسؤولية وظيفية لخدمة المجتمع)،
المهم ، وكوني سفير أمثل بلد ديموقراطي متقدم ومتحضر ، أستطيع القول ان ما يحصل في العراق و ما سوف يحصل في السنوات القادمة لن يبشر بخير أبدا وذلك للمعطيات التالية :
اولا : الجهل الواضح لمعظم النخب السياسية بالمفاهيم الحقيقية لأبسط مبادئ النظام الديموقراطي وتطبيقاته .
ثانيا : وجود كيانات سياسية سواء في الحكم او خارجه لها اجنحة مسلحة فاعلة سوف تحاول فرض اجندتها بأساليب غير سلمية ، وهذا خلاف المبادئ الديموقراطية أساسا.
ثالثا : انتماء معظم النخب السياسية (ايدولوجيا ، او انتماءا اجتماعيا ، او طائفيا، او اي أساس اخر) الى محور خارج الفضاء الوطني بالمطلق ، وليس من الغريب ان توصف معظم هذه النخب بمصطلح ” العمالة”.
رابعا : لا يمكن للعراق ان يصبح دولة لها مكانتها وتاريخها وتأثيرها في العالم اذا استمرت الأحزاب ذات الطابع الاسلامي من التحكم في إدارة الدولة. يجب ان لا يكون للأحزاب الاسلامية وجود في الساحة السياسية ، فالاسلام دين خالص بين الفرد وخالقه وليس دين للسياسة يمارس فيها الكذب والنفاق والتمييز والمصالح الذاتية .
الخلاصة : لو كنت سفيرا” في العراق لقدمت طلبا بنقلي الى اي بلد اخر أستطيع فهمه والتعامل معه .