21 نوفمبر، 2024 11:18 م
Search
Close this search box.

لو كان المعتدلون أغلبية ما تأسست بغيدا وما حدثت شارلي

لو كان المعتدلون أغلبية ما تأسست بغيدا وما حدثت شارلي

ليس هنالك، كما يُشيع البَعض مُؤخراً بَعد إنتشار فوبيا التأسلم، ما يُسَمى بمُسلم مُتشَدّد وآخر مُعتدِل، لتبرير سكوت غالبية المُسلمين المُقيمين في الشرق والغرب على أعمال المَجاميع الإرهابية، التي تتبَرقع بالإسلام وتتكِأ على بَعض نصوص القرآن والسنة لتشَرعِن جَرائمها الهَمجية الوَحشية من قتل وذَبح بحَق الأبرياء في أرجاء المَعمورة. فهذا الطرح باطل وخبيث نوعاً ما، ويُراد به خلط الاوراق.. فإذا كان يقصَد بالمُسلم المُعتدل هو الذي لا يُشارك بهذه الجَرائم لكنه ساكِت عنها، فهو إذاً ليس مُعتدل، بل أما مُؤيد لها وفرِح بها أو مُتواطي مَعها. بالتالي الأصَح هنا هو القول أن هنالك مُسلم مُتشَدّد وآخر علماني يُؤمن بفصل الدين عن الدولة والسياسية، ويَرى بأن الدين قناعة شَخصية وطقوس خاصة تُقرّبه الى الله وتوَفِّر له إستقراراً روحِياً ولاعلاقة لها بالقوانين الوضعية لتنظيم الحياة والمجتمع والدولة التي يعيش فيها، فهذا المُسلم فقط هو الغير مُتشَدّد. أما المُسلم الذي يُعادي العَلمانية ويَعتبرها كفر وإلحاد لأنها تفصل بَين الدين والدولة، ويُريد دولة إسلامية وقوانين شرعية ويَعتبر أن دينه خير الأديان وأصلحها ونبيّه آخر الأنبياء وأفضلهم، ويَستنكِف مِن أتباع باقي الأديان لأنهم على غير هَواه وهَوى مَشايخه، فهو نسخة أخرى للمُسلم المُتشَدّد المُتطرِّف، لكنه أجبَن مِنه ولايُعلن مايُعلنه ذاك ويَفعله على المَلأ مِن جَرائم هو في قرارة نفسه راضِ عَنها. وهذا ما نلمَسه كل مَرة في الترحيب الشعبي المُخزي والتبرير السَخيف الذي يُبديه المُسلمون عُموماً تجاه جَرائم عِصابات الإسلام السياسي في دول الغرب تحديداً، حتى مِن قبل الجاليات المُسلمة التي تعيش مُعززة مُكرّمة وتنعَم بالأمن والسَلام بهذه الدول، كما حَدث مَع جَريمة11 سبتمبر وشارلي ايبدو. وهو ما يوصلنا لنتيجة مُرعِبة مفادها أن غالبية المُجتمَعات الإسلامية هي بَين مُتشَدّد ومَن لديه إستعداد للتشَدّد والتطَرف ومُتناغِم مَعه، ولاوجود لما يُسَمى بالمُسلم المُعتدِل على أرض الواقع، فالِقلة الباقية الرافِضة للتشَدّد هم مُسلمون علمانيون يَعتبرون الإسلام جُزءاً مِن هَويتهم وتراثِهم ويُجاهِرون برَفض الجَرائم التي يُمارِسها المُتشَدّدون ويَتبَرّأون مِنها، فلا إعتِدال بَين العلمانية التي تدعو للسَلام وبَين التشَدّد الذي يَدعو للإرهاب.

إذا كان المُتشَدّدون وفِكرهم لا يُمثلون الاسلام والمُسلمين فِعلاً، وكان أغلب المُسلمون مُعتدلين كما يُقال، فلماذا يَسكتون مُنذ عقود على هُراء مَشايخهم المَعتوهين ويَستمعون اليهم بإنصات وهم يُكفِّرون كل أمَم الأرض وطوائفها ويَدعون عليهم بالوَيل والثبور مِن على مَنابر الجَوامع ليل نهار! ولماذا لم يَخرجوا يوماً ليتظاهروا إستنكارا ولو حَتى لجريمة واحِدة من الجَرائم التي يُنفذها الإرهابيون بِدُولهم ودول الغرب التي تحتضنهم، فيما يخرجون كالقطعان حين يَسوقهم ويَدعوهم شيخ خرِف للتظاهر ضِد رسم كاركاتيري! وإّذا كانوا فعلا مؤمنين بالله وكل رُسُله فلماذا تثور ثائِرتهم فقط حينما تنال الرسوم الإسلام ولا يَفعلون المِثل حينما تنال أدياناً أخرى! ولو كان أغلب المُسلمون مُعتدلين وكانت لديهم ذرة مِن عَقل وضَمير لما إنتظروا حتى يَقع المَحظور وتتحرك القوى اليَمين في أوروبا لتطالب بالتشَدّد مع المُهاجرين المُسلمين تحديداً، ولما سَمحوا وأعطوا مُبَرّرا لتأسيس مُنظمات عُنصرية مُتشَدّدة كبغيدا على يَد مُتعصبين بَعضهم من أصحاب السوابق لتخلق جواً مُعادياً للإسلام وتطالب بالوقوف بوجه أسلمة أوروبا والمانيا، ولبادروا هُم أولاً وقبل غيرهم لتشكيل مُنظمات بإسمهم في دول الغرب تنبُذ الإرهاب وتتبَرأ منه وتدينه وتعَرّيه هو والفكر الذي يُغذيه ويقف وراءه، وتطلب مُعاقبة مَن يُروج له ويُمَوله ويُسانده ويَسعى لتدمير النُظم السياسية والمُجتمعية لدول الغرب التي إحتضَنتهم ووَفّرت لهم ولعوائلهم سُبُل العَيش الكريم وتقبّلتهُم إنسانيّتها ليكونوا جزئاً من مُجتمَعها رغم إختِلافهم عَنها تأريخياً وإثنياً ودينياً، بل ومَنحَتهم جنسياتها التي لا تمنحُها لهم دول عربية وإسلامية شقيقة حتى ولو أقاموا فيها عَشرات السنين!!

لكن يَبدو أن الأوان قد فات على ذلك الآن حَتى لو وُجِدت النيات وصَدقت لِهكذا أفعال ومُبادرات مَسؤولة، وهي للأسَف وللواقع غير موجودة سوى لدى نسبة قليلة من المسلمين المقيمين بالغرب، وهؤلاء لا حَول لهم ولا قوة للتحَرك بهذا الإتجاه وسط مُحيط من سَواد الرعاع الذين تحَجّرت قلوبهم وتعَفّنت عقولهم ومَلأ صَدأ الحقد نفوسهم وباتوا قطعاناً يَسوقها رعاة الإسلام السياسي من الدَجالين والأفاكين وتجار الدين حَيثما يُريدون وكيفما يشائون، وستبقى كذلك مادامت مُصِّرة على عَدم الإعتراف ببؤسها وسُفه أفكارها وظلامية مُعتقداتها ولا تسعى لتصحيحها وترمي بتبعات فشلها وبؤسها على الاخرين، وهو ماسيؤدي بها الى كارثة سَتطالها ليس فقط في بلدانها التي تتقطع وتتشَرذم اليوم الى أجزاء مُتناثرة، لا بل وحَتى في بلدان المَهجَر، وقد يأتي يوم سَتضيق فيه الدنيا عَليهم وحينها سيَحترق الأخضر القليل بسِعر اليابس الكثير!

 

*[email protected]

أحدث المقالات