لو كان الصحفي العراقي سعد الأوسي يعيش في بلدٍ غير العراق وغير دول العرب والمسلمين (المتضامنة دوما في التجاوز على حقوق الانسان)، لكان اليوم في عداد (أصحاب الملايين). وهذه الملايين لم يكن ليحققها من خلال جريدته وإنما من خلال التعويض الذي يستحقه جراء ما لحق به من أذى على يد القوات الأمنية الحكومية العراقية .
لا أعرف الزميل الأوسي شخصياً، فهو ليس من جيلي ولم ألتقِ به في حياتي، ولكني اطلعت على عدد أو اثنين من جريدته في بداية صدورها، وأميل إلى تصديق ما نشره في مقالته (هذه إفادتي)، لأنه قدم شهود عيان زاروه في معتقله أيام محنته، وبينهم أسماء لامعة في مجال العمل المهني. وهو يروي في إفادته (محاولاتهم التي يقول بأنها باءت بالفشل نتيجة للوضع الذي كنت فيه والحالة التي يرثى لها في تصرفٍ أقدمت عليه دائرة حكومية ترتبط برئيس الوزراء لإذلالي وعدم إرسالي إلى المحكمة لسماعي من قبل القضاة أو حتى محاكمتي). وهو يؤكد في إفادته بأنه يمتلك الوثائق التي تثبت صحة ما يقول وما يثبت إهانته من قبل ضباط التحقيق وتجاوزهم على شخصه.
الأدهى والأمرّ أن من التهم الموجهة إليه كانت (أنه يقف) وراء بعض الأسماء الصحفية، وأنه يكتب بأسماء مستعارة. ويقول إنه حين طلب تزويده بالأسماء كي يعطي إجابته، قدموا له أسماء كتّاب معروفين أنا أتابعهم شخصيا في موقع )كتابات(. فهل يمكن أن نتخيل بأن بلداً يدّعي بأنه (يسير) في اتجاه الديمقراطية (وليس ديقراطيا كالعراق) حسب مايقوله وزراؤه ونوابه وساسته يعتقل صحفياً بتهمة أنه يكتب بأسماء (مستعارة)، أو أنه يقف وراء صحفيين يهاجمون الحكم؟ إن استعراض إفادة الزميل الأوسي وإشارته إلى أنه كان في (سجن سري) وأن أهله عجزوا عن معرفة مكان احتجازه رغم كل المحاولات التي قاموا بها، كما إن إشارته إلى إجباره ومعتقلين آخرين على التوقيع على أوراق بيضاء، يؤكد أن أي صحفي لا ترضى عنه الحكومة يمكن أن يتعرض إلى ما تعرض له ثم يطلق سراحه دون أن تقدم له الحكومة أي تعويض أو اعتذار.
سأروي لكم ما حصل هنا في كندا مع مواطن كندي من أصول سورية اسمه ماهر عرار. اعتقل الرجل اشتباهاً في الولايات المتحدة، ثم سلم للسلطات السورية التي وضعته في معتقل لعدة شهور تحت التعذيب و دون أن تعرف أسرته مصيره. ولأن الأجهزة الأمنية الكندية كانت قد أعطت معلومات خاطئة عنه عند اعتقاله، فإنه وما أن أطلق سراحه أقام دعوى ضد الحكومة وجهاز الأمن. واضطر رئيس الوزراء الكندي (زعيم الأغلبية البرلمانية) ورئيس جهاز الأمن إلى الظهور على شاشات التلفزيون والاعتذار من مواطنهم المظلوم الذي حكمت له المحكمة الكندية العليا بتعويض قدره (عشرة ملايين دولار)، بسبب الأضرار التي لحقت به وبأسرته التي كانت تجهل مكان احتجازه.
إذا أردنا أن نصبح أمة متقدمة يحترمها العالم، يجب أن نحذو حذو الأمم التي تحترم إنسانها وناشطيها وصحفييها، فتلك علامة من علامات التقدم والديمقراطية.
الدول تبنى بكتابها ومفكريها وناشطيها وليس بالمخبرين السريين!!
[email protected]