وقف المتهم امام قاضي التحقيق مسترخيا وهو يطلب منه الاسراع في استجوابه لأنه متعب ويريد العودة الى الزنزانة ..استغرب القاضي والحضور اسلوب المتهم وحاول القاضي استنفار كل مالديه من هدوء اعصاب وحكمة ليرد عليه ، وامام اصرار المتهم على لامبالاته ، شعر القاضي بانه امام رجل ( مسنود ) ولأن الجهات التي تسند هكذا متهمين في العراق خطيرة الى درجة يصعب المساس بها حتى ولو من قبل رجل قضاء فقد اختار القاضي ان يشرع في القاء اسئلته المعتادة على المتهم واذا كان معترفا بالجرائم المسجلة امامه فكان الجواب بالايجاب وبلهجة لامبالية ايضا ..” هو مسنود فعلا اذن “…ايقن القاضي ذلك وامر باعادته الى زنزانته ..كان هناك من بين الحضور من تزامنت قضية شقيقه مع هذا المتهم لذا واصل السؤال عنه في مركز الشرطة وبطريقة غير مباشرة ، فعلم من قبل احد رجال الشرطة ان هذا المتهم الذي اعترف بارتكاب عدة جرائم خطيرة خرج قبل ايام بكفالة مالية !!
ومتهم آخر وقف امام قاض ليحكم في قضيته ففوجيء بأنه نفس المتهم الذي سبق له ان حكم عليه بالاعدام قبل فترة –وهذا يعني انه لم يرضخ لتنفيذ الحكم رغم كونه واحدا من اخطر مجرمي الارهاب لكنه مازال في كل الاحوال حيا يرزق وهناك يد اعلى من يد القضاء خططت لأخراجه من سجنه والمرجح ان الوسيلة هي المال الذي بات مفتاحا سحريا لكل مشاكل الزمن الحالي ..
تطفر الى الذهن في مثل هذه الاحوال مقولة المفكر الفرنسي روسو حين وصف فساد القضاء في اي بلد بانه نهاية لذلك البلد ، لكن القضاء في العراق ومهما كان نزيها لن يقدر على مواجهة الفساد في الحكومة ومراكز الشرطة اذ ان المكافأة تزداد حجما حسب حجم الجريمة ..
لادخل للقضاء اذن بتغيير مصائرالمتهمين لأن الصفقات تتم في اروقة مراكز الشرطة اومقرات الاحزاب وتتحكم بها اياد (طوال) جدا بعد قراءة الحكم القضائي ..رغم ذلك يدفع القضاة ضريبة نزاهتهم وسعيهم الجاد للقضاء على الارهاب والجريمة في بلد ينتشر العفن في تلافيف رأسه وفساد الرأس يفسد الجسد كله ، فبعد استشهاد العديد من القضاة من مختلف المناشيء والمحافظات على ايدي الارهابيين يبشرهم القاضي جعفر الموسوي قبل ايام في حديثه لاحدى القنوات الفضائية بان الهدف الاول لدى الارهابيين الهاربين من سجني ابي غريب والتاجي مؤخرا هو تصفية القضاة الذين حكموا عليهم بالسجن او الاعدام ..
سيكون على كل قاض لم يخالف ضميره في الحكم على ارهابي ان يخصص مكانا لصورته بين صور الشهداء من القضاة كما فعل المحقق القضائي الشهيد احمد ابراهيم الجميلي من منطقة الكرمة في الانبار بعد ان استشهد جميع افراد عائلته في انفجار اذ وضع صورهم على جدار مكتبه تاركا لنفسه مكانا بينهم لأنه كان يتعامل يوميا مع الارهاب بضمير يقظ ويدرك جيدا ان يومه آت لامحالة وبالفعل لم يبق مكان صورته شاغرا بعد استشهاده لكن مكانه ومكان عشرات القضاة العراقيين الشرفاء سيبقى شاغرا مادام راس السمكة عفنا والعفن منتشر في جسد البلد كله ليس بسبب فساد القضاء كما قال روسو بل بسبب غياب الضمير في اسلوب ادارة البلد وحين يغيب الضمير في بلد ما يصبح الطغيان سيدا والظلم حاكما ويفقد الاكثرية اصواتهم في بلد اصيب حكامه بالصمم والعمى عن حقوق الشعب وظلت السنتهم فقط تطلق التصريحات الخالية من الضمير ..