رئيس (دولة القانون) نوري المالكي يغرق أكثر فأكثر في داء العظمة والغرور، ويقترب رويدا فرويدا من حالة الجنون. فلم يعد يرى أحدا حوله ولا أمامه.
وقول المالكي ” لولا دولة القانون لانهار العراق” تعبير صارخ عن حالة الهذيان التي أصابته بفعل الحمى والمرض والغثيان. فلو كان عاقلا وسويا وحكيما وذكيا وواقعيا لأدرك عمق الهوة التي حفرها لتفصله عن الوطن وأهله أجمعين، أوائلهم طائفته الشيعية التي يتوهم أنه امتلك زمامها، كله، وهو أمر بعيد عنه بعد الأرض عن السماء.
والدليل على ذلك ليس فقط تململ المجاميع الهائلة من الشيعة المتنورين الباحثين عن العدالة والوطنية الحقة وسلطة القانون، بل ثورة مراجع الطائفة جلهم عليه وعلى بطانته، وآخرهم آية الله بشير النجفي الذي أعلن مؤخرا أن كل مصائب العراق سببها سوء إدارة المالكي، داعيا جميع الناخبين إلى إسقاطه في الانتخابات الجديدة.
إن المالكي لم يفهم ولم يدرك أن الشعب العراقي، ومعه شعوب الإقليم والعالم، كان ينتظر ساعة صحو تطرأ على بصره وبصيرته ليعترف بجريرته الكبرى، ويخرج عليه توابا معتذرا ملتمسا منه الصفح والغفران، قائلا ” لولا (دولة القانون) لما انهار العراق”.
حين تسلم المالكي شؤون العباد كان دمثا وكيسا وناعما لا يتوقف عن نثر الوعود الساخنة بتوفير احتياجات المواطنين، ومحاربة الفساد، واحترام القانون، والبعد عن الطائفية. ولم نعرف إلا متأخرا أنه كان يتمسكن إلى أن يتمكن.
ربما كان ذلك التحول من الصحيح إلى القبيح ذاتيا وطبيعة شخصية كانت متخفية فيه إلى أن حان وقت ظهورها، ولكن الأهم والأكثر واقعية أن من قتل فيه روح التسامح والتواضع والمسالمة هي بطانة السوء التي اصطفاها لتكون أداة حكمه وسُلمَه إلى وراثة صدام حسين بكل عنجهيته وغروره ودمويته التي لم تقتله وتقتل ولديه وتشرد زوجته وبناته وأحفاده فقط بل فتحت الطريق لدبابات الغزو الأمريكي لتقتحم الوطن وعلى ظهورها شلة من المنافقين والمزورين والمتعطشين إلى الجاه والمال والسلطة ليكونوا هم السادة ونكون نحن العبيد.
تأملوا مستشاريه ومساعديه والناطقين باسمه والحاكمين بأمره. فهو لا يصطفي لرفقته سوى المنافقين والكذابين والحرامية والمبرزين في طول اللسان، وخشونة اللغة، وفساد الذوق، وقلة الأمانة والذمة والضمير. وقديما قيل، قل لي من أصدقاؤك أقل لك من أنت.
والحقيقة الجارحة هي أننا أصبحنا، عندما نجد واحدا سيئا من الناس، نفضل الصمت عنه. فلا نعدد مثالبه، ولا نبين حقارته وانتهازيته وشطارته في طول اليد واللسان، لئلا نجده في اليوم التالي مستشارا أمنيا أو عسكريا أو سياسيا أو ماليا أو ثقافيا لدى السيد الرئيس، أو مرافقا أو نائبا أو وزيرا أو سفيرا منتميا لدولة القانون أو متحالفا معها حتى النفس الأخير.
تابعوا أقوال وأفعال واحد من هؤلاء. سئل كبير مستشاري نوري المالكي المدعو عزت الشابندر عن رأيه في مقاطعة الكورد لجلسات مجلس الوزراء والبرلمان إلى أن تتحق مطالبهم، بغض النظر عن تلك المطالب، فرد بلغته الديبلوماسية المهذبة المعهودة قائلا لهم: مع السلامة.
وقبل ذلك قال بعد أن رفض مقتدى الصدر استقباله في بيروت مبوثا من المالكي: “ان رفض مقتدى الصدر اللقاء بي جاء لمصلحتي كون الله يحبني بعدم رويته، كونه شخصا لا احترمه طوال حياتي بسبب صغر عقله في الجانب السياسي، ومصيبة العراق اليوم أن فيها مثل هؤلاء يقودون العملية السياسية.”
ويذكر هنا أن مقابلة تلفزيونية مع عزت الشابندر كانت قد نشرت قبل فترة على الإنترنيت أجرتها إحدى الفضائيات شن فيها هجوما عنيفا على حزب الدعوة، وقال إنه حزب بلا دين ولا اخلاق.
http://www.youtube.com/watch?v=59PMFQKLlN0&feature=player_embedded
ولكي تكتمل البطانة (الطيبة) كلف السيد رئيس الوزراء مستشاره عزت الشابندر باحتضان العائد الظافر إلى دولة العدل والقانون السيد مشعان الجبوري، وأمره بجعل المحكمة التي حكمت عليه بالسجن بتهم السرقة والاحتيال تلحس أحكامها، وأوعز سيادته بإعادة تأهيل العائد الجديد لينضم إلى نادي القادة الميامين في العراق الديمقراطي الجديد.
وبالفعل باشر الشابندر جهوده المباركة لتنفيذ رغبة السيد الرئيس. فقد أبلغ مسؤولي أمن المطار، بعد أن حاولوا اعتقال المطلوب للعدالة مشعان الجبوري، بأنه مكلف من قبل مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي باصطحابه.
وإحقاقا للحق أعلن السيد مشعان الجبوري أن عودته ليست صفقة سياسية مع دولة القانون. وباشر على الفور بتشكيل قائمة انتخابية لخوض انتخابات مجالس المحافظات في محافظة صلاح الدين.
والمعروف أن القضاء العراقي أصدر أحكاماً بالسجن بحق السيد مشعان لمدة 15 سنة، بتهم الفساد الإداري لتورطه بالاستيلاء على مبالغ إطعام أفواج حماية المنشآت النفطية التابعة لوزارة الدفاع خلال عامي 2004 و2005، وتأسيسه شركة وهمية للأطعمة.
فهل يمكن أن تكون المحكمة الجنائية عادلة حين حكمت عليه بالأمس بالسجن خمس عشرة سنة، ثم تكون عادلة أيضا حين تلغي أحكامها عليه، وتسقط عنه جميع التهم السابقة؟.
لا اعترض لدى أحد من العر اقيين على مزاج السيد رئيس الوزراء حين يتقلب على الجنبين. ولكن الاعتراض كله على اختيار واحد بلا رأي ولا ثبات على موقف مثل مشعان الجبوري.
تأملوا ما كان يقوله عن حكم حزب الدعوة بعظمة لسانه:
http://www.youtube.com/watch?v=kL6iLmh1PvI&feature=related
شيء آخر نسيه السيد الرئيس. إن مشعان الجبوري لم يقترب من حاكم إلا وأحرقه وأحرق أهله وذويه. فحين كان مع عدي وأبي عدي أنزل عليهما طيورا ترميها بحجارة من سجيل. وعندما انتقل إلى خيمة الأخ العقيد جعل ثوار بلد عمر المختار يقتلونه شر قتله، وعلى شاشات التلفزيون. وحين نزل بضيافة المقاوم والممانع بشار الأسد ومخابراته دمر سوريا كلها ولم يبق فيها حجرا على حجر، وجعل بشار ينتظر ميتة لن تقل عن ميتة الأخ العقيد أو القائد الضرورة.
إنه شؤم على الحاكمين. ونخشى ما نخشاه أن يجلب الحظ الأسود على رفيقه وعرابه السيد عزت الشابندر أولا، ثم على رئيسه ثانيا، ثم على دولة القانون كلها، من أولها إلى آخرها وتشرق الشمس من جديد على عراق بلا راباة ولا قانون.