في حوار شيق مع صديق محترم قائلا: (أن إيران لمتعطِ المجال لامريكا لإعمار وبناء العراق واستقراره،وتدخل ايران هو السبب الذي لم يدع امريكا تطورالعراق كما طورت اليابان وإندونيسيا وغيرها).
قلت له: أن هذا الرأي له انتشاره في المجتمعالعراقي، ورفع في مظاهرات تشرين عام ٢٠١٠ وقلتفي وقتها أن هذا وهم خاطئ وقعت به الجماهير.
واكملت: أن أمريكا احتلت العراق في عام ٢٠٠٣ بدعم دولي لا مثيل له، ونصبت حاكم مدني (بولبريمر) للعراق، وهذا لم يتوفر في اليابانوإندونيسيا وغيرها وأصبح العراق بقيادة امريكابالكامل أكثر من قيادتها لأي ولاية من ولاياتها !
إذن منطقيا وسياسيا لا يمكن لأي دولة أن تتدخلبالشأن العراقي دون موافقة امريكا، لذا تدخل ايرانفي العراق بإرادة امريكا، نعم فكريا ايران قادرة أنتدخل لمجتمع العراق لوجود المذهب الشيعيالمشترك، لكن سياسيا واقتصاديا وجغرافياوعسكريا غير ممكن نهائيا.
أجاب صديقي: لكن واقعيا ايران تمكنت سياسياواقتصاديا وجغرافيا وعسكريا داخل العراق؟
أجبته: يا صديقي أن امريكا اختارت العراق لزيادةأرباح الطبقة الحاكمة في امريكا ومن ساندهم،بالسيطرة التامة على النفط، وكذلك ليكون نقطةمركزية لمقارعة التوسع الروسي – الصيني فيالشرق الأوسط، وهذا بمرور الوقت سيؤدي الىرفض جماهيري وعالمي لوجودهم في العراق، ولهذاسمحت لايران بالتوسع بالعراق لتوازن القوى،وتبرير الهدف بالصراع الإعلامي.
إن (الناتو) بقيادة امريكا وبريطانيا (الدولالرأسمالية العالمية) بشكل عام يعملان بمنهج(النموذج والاستهلاك) حسب الرؤية العمليةللرأسمالية، أي بخداع الجماهير ببناء دولة معينةفي مكانٌ ما (نموذج)، ولاحتلال وسيطرة على دولةأخرى للربح وضمان عدم الاعتراض (الاستهلاك).
قال الصديق: على أي أساس امريكا اختارت العراقللاستهلاك؟
أجبته: أولاً/ امريكا منذ عام ١٩٩١ عملت على ذلكبقرار الحصار الاقتصادي على شعب العراقلتجويعه وبالتالي إضعافه فكريا وثوريا.
ثانياً/ أرضية العراق السياسية الهشة لان نظامصدام سياسيا اضعف دول المنطقة.
ثالثاً/ موقعه الجغرافي لمقارعة التوسع الروسي – الصيني في الشرق الأوسط ومكانا مميز لحربالوكالة ومقراً لمخابرات الدول وتصفية الحسابات.
إن امريكا لم تسمح لايران فقط التدخل بالعراقوانما سمحت لتركيا والسعودية وقطر والاماراتوالاردن وغيرها وهذا يثبت ادلتنا السابقة. لكن ايراناكثر نفوذ بسبب الدعم الروسي – الصيني لها،وليست الارضية العقائدية.
قال الصديق: امريكا طورت دول كثيرة؟
أجبته: بعيدا عن الاعلام والنظر الى الواقع نجد انامريكا لم تطور شعباً وانما تدعم ساسة هذا الشعبوتجعلهم اغنياء برجوازية لتحقيق اهدافها، بدليل: القنبلتين الذريتين على هورشيما وناكازاكي ومقتلمئات الالاف ودمار شبه تام لهاتين المدينتينلاستسلام الشعب وفرض ساسة عليهم، يشبهأحداث ٢٠٠٣ وبعدها في العراق، والى الان معاناةالفرد في اليابان الاقتصادية وضعف الحرياتالإنسانية. (أنظر الى أفغانستان تعرف أمريكا).
يا صديقي نحن في السياسة ننظر الى حياة الفردوليس الى حالة الدولة وهذا فارق إنسانيوسياسي كبير.
سأل صديقي: (أراك تدافع عن ايران كأنها ليس لهاعمل سلبي في العراق)؟
أجبته: لا يا عزيزي أنا أفرق بين الشعب والساسة،ولا أنظر إليهم واحد، وأنا رافض السياسة الايرانيةداخل العراق كما أرفض السياسة الامريكية داخلالعراق أيضا، ولا أميل حتى بالقرارات الجزئية“الجيدة” لاحد منهما بل اتطلع لنظام نؤسسه نحنونكتب قانونه ودستوره نحن وفق حاجاتناالإنسانية المباشرة، وكثير من الشعوب حققوا ذلك.
أجاب صديقي: ايران ذكية واستطاعت أن تدخلالمعارضة العراقية التي كانت لديها بالحكم بعد٢٠٠٣ !
أجبته: كلامك نفسه إجابة! بدليل؛ لو كانت امريكارافضة أو لا تريد التدخل الايراني في العراق، فكيفقبلت وأعطت الحكم للاحزاب العراقية المعارضةالمستوطنة في ايران ؟
وكيف أرسلت لهم رسائل للمشاركة في مؤتمر لندن٢٠٠١ !؟
ولماذا رفضت امريكا عشرات الاحزاب المعارضةلصدام في الخارج، اليسارية منها والقوميةوالاسلامية والمدنية وحتى الملكية من المشاركةبالنظام الحاكم بعد ٢٠٠٣ !؟
اذن ليس ذكاء من ايران بل ارادة امريكية بدليلالمعطيات أعلاه.
سؤال الصديق: كيف تقول ذلك وامريكا متضررةمصالحها من النفوذ الايراني؟
جوابي: امريكا غير متضررة مصالحها نهائيا،مصالحها الاقتصادية تأخذ حصتها من النفط وهيحددت النسبة والكمية والكيفية بعد ٢٠٠٣ والىالان والاستثمارات وغيرها، مصالحها التوسعيةبالشرق الأوسط ماسكة ارض بقواعدها بالعراق،ولها السيطرة الجوية التامة، اذن المتضرر انا وانتمن وجود الطرفين.
قال الصديق: الحرب الاقليمية او العالمية القادمةستثبت لك من هو الأفضل للعراق!
قلت: إن احداث غزة وما تلاها من أحداث تثبت أنامريكا وايران يريدان البقاء على التوازن في بقاءالمصالح على حساب شعب العراق، فلا امريكاتسعى بقوة لطرد النفوذ الايراني من العراق، ولاايران. مناوشات عسكرية بسيطة، واعلام ضخم، وانحدثت الحرب يدفع ضريبتها الشعوب، لان سياسةالرأسمالية واحدة ضد شعب العراق بغض النظرعن اسم الدولة، سواء الناتو وحلفائه أو روسيا – الصين وحلفائهم، فالحرب ستدمر حياتنا وما بعدالحرب مهما كان المنتصر سيحكم بنفس السياسةالرأسمالية إلا اذا قالت الجماهير كلمتها.
قال الصديق: اذن نحن بحاجة الى ساسة يحققواالتوازن بين امريكا وايران!
قلت: هذا “السياسي” يخضع مرتين، مرة لمحتلعالمي، واخرى لمحتل اقليمي من أجل بقاءهواستمراره في الحكم، على حساب حياة وحقوقالشعب، وتصاغ بعبارات مزركشة (تحقيق التوازن،المداراة، حنكة التعامل،..الخ).
هنا وأثناء الحوار انطفأت الكهرباء فقال صديقي: الله لا يوفقهم (حرامية)، وقلت: نعم، وهدفمستقبلي آخر: هو الخصخصة لزيادة أرباحهم. اتفقنا هنا وانهينا حوارنا بابتسامة.