19 ديسمبر، 2024 5:22 ص

لولا العَم سام لما أزيح المالكي ولما أسقِط صدام!

لولا العَم سام لما أزيح المالكي ولما أسقِط صدام!

مَرة أخرى يأتي العَم سام ليُزيل الهَم عَن كاهِل العراق، أما الشَعب فقد عَوّدنا بأنه ومَع مَرور الزمَن يُصبح داجناً على الذل والقمع والإستِبداد، فبَعد فشل العراقيين بإزاحة أعتى نظام دكتاتوري حَكمَهم لثلاثين سَنة مُنذ تأسيس دَولتهم الحَديثة، جاء العَم سام عام2003 بعُدّته وعَتاده ليُخلصهُم منه وليُقيم لهُم بَدلاً عَنه نِظاماً ديمقراطياً، أوكل مُهمة تأسيسه عَن قصد أو ربما غباء لأحزاب ومافيات إسلام سياسي تحَركها عُقد طائفية مَناطقية أوجدَت نِظاماً مُشَوّهاً هَدم بُنيان البلاد الذي يَبدوا بأنه كان مُتصَدّعاً، ومَزّق نسيجها الإجتماعي الذي يَبدوا بأنه كان مُهترئاً، ومَهّد لولادة نظام دكتاتوري جَديد نسج خيوطه داخِل مؤسّسات الدولة وأحكم قبضَته عَليها، وبَدأ يتصَرّف بفردية مُطلقة أمام عَجز الشركاء السياسيين عَن الوقوف بوَجهه أو إزاحَتِه، مما إستدعى تدَخلاً ثانياً للعَم سام ولكن هذه المَرة بالتهديد والوَعيد والخطابات فقط.

قد يَبدوا مَفهوماً عَجز العراقيين عَن إزاحة وإسقاط نظام دكتاتوري قمعي حَكم وأسّس طغيانه بحُكم الحزب الواحد لـ30 سنة كنظام صدام حسين، وبالتالي حاجَتهم لقوى كبرى تساعِدهم على تحقيق هذا الهَدف. لكن مِن غير المَفهوم أن يَعجزوا مَع أحزابهم التي بالعَشرات عَن إزاحة المالكي عِبر الأطر الدستورية كسَحب الثقة داخل البرلمان والتظاهر والإعتِصام السلمي، بل أن يَحصل العَكس بأن يَنجَح هو بتدجينهم خِلال مُدة قياسية هي 8 سَنوات، مما إستدعى إزاحَته بضغوط غربية وإقليمية مُباشرة وواضِحة!

لذا غريب أمر هذا الشَعب الذي يَدّعي العَظمة وتأريخه خالي مِن صُورها! أما تمَسّحه بالتأريخ القديم فهو تَخريف لا يمَت للواقِع والمَنطِق والعَقل بصِلة، فأجيال الحاضِر مَقطوعة الصِلة بسُكان العراق الأصليين مِن سومريين وآشوريين وميديين وبابليين، فلا أهل الناصرية لهُم عِلاقة بالسومريين، ولا أهل الموصل لهم عِلاقة بالآشوريين، ولا أهل كوردستان لهم عِلاقة بالميديين، ولا أهل الحلة لهم عِلاقة بالبابليين، وكل ما يَربُط هؤلاء بأولئك هو رُبما تواجدهم اليوم على نفس البقعة الجغرافية التي تواجَدت عليها تلك الأقوام قبل آلاف السنين، ولو كانوا حَقـاً إمتداداً لهم ولجيناتهم كما يدّعون ويُروّجون لما فشلوا في القـرن العشرين والواحد والعشرين بما نجَحَت تلك الأقوام بتحقيقه في القرون السَحيقة. إن حَقيقة شَعب العراق المُعاصر تعكِسها أفعاله التي هَدّمَت وقوّضَت بُنيان الدولة العراقية الحَديثة، والتي تختلِف عن أفعال بُناة حِضارات الأمس العَريقة. لذا كفى ضَحِكاً على ذقون وعُقول أبناءه بأوصاف العَظَمة الزائِفة المُفتعلة حَتى لا يَنتفخوا كالبالونة، ولا تعطوهم أحجاماً تفوق أحجامَهُم، ولا تُحَمّلوهُم ما يَفوق طاقتِهم، ولا تُلبسوهم ثوباً فضفاضاً، ولا توَرّطوهم في دور أكبر مِنهم، حَتى لا يُفاجَؤا ويُصدَموا حين يَكتشفون حَقيقتهم المُتواضعة وعَجزهم عَن القيام بأبسَط الأفعال التي يَستطيع القيام بها غيرهُم، وبالتالي حاجَتهم للتعَلم مِن شُعوب أخرى لا تدّعي العظَمة لكنها تفوقهم وَعياً وتمَدناً وحَضارة، ليَستطيعوا المُضي في بناء ما تبَقى مِن وطنهم. وإلا فالى مَتى يَقوم الآخرون بما يَجب أن يقوم به العراقيين لأنفسِهم ووطنِهم! والى مَتى يُقررون لهم ويُساهِمون في رَسم صورة حاضِرهم ومُستقبلهم! ومَتى يَخرجون مِن حالة التدجين الى حالة الوعي ليُمسكوا بزمام أمورهم ويُقرّروا مَصائرهم ويَختاروا مايُريدون كأحرار،لا كبَيادق شِطرنج يُحرّكها طغاة مَخبولين كقاسم وعارف وصدام والمالكي، ولا ككومبارس بأحداث ترسُمها إرادات إقليمة ودولية، وهو ما يَحدث منذ 1958 وحَتى الآن، وآخِره ما حَدث مَع إزاحة المالكي.

لو نظرنا الى مصر وهي دولة يُفترض بأنها أرضاً وشَعباً وتأريخاً شَبيهة نوعاً ما بالعراق، ولكنها ليسَت كذلك طبعاً، لوجَدنا بأن ما حَصل فيها هو العَكس، فقد إقتضَت الإملائات الإقليمية والإرادات الدولية أن يَحصل التغيير بما لا يُوافق هَوى الشَعب وتطلعاته، ودَعَمَت نِظاماً ظلامياً رَجعياً مُتخلفاً لم يُمهله الشَعب سوى عاماً واحِداً، لذا خرَجت جُموعه بالمَلايين لإسقاط هذا النظام وتغييره وإعادة الأمور لنِصابها، وهي إيجابية ورغبة وتَوق للحياة الحُرة الكريمة تُحسَب لمصر وشَعبها ونُخبها وجَيشها تُرفَع لها القبّعات. أما في العراق، فتقابلها سَلبية الشعب العراقي المُتطرّفة بصوَرها وإنعِكاساتِها. سَلبية تعكِسُها لا إنسانية فِعل غزو الجار، وأستِباحة بلاده تنفيذاً لأمر زعيم مَجنون. سَلبية يَعكِسُها فِعل الصِراع الدَموي مع شريك الوطن المُختلِف طائفياً وعِرقياً ودينياً، ورَد الفعل الخَجول في التعاطي مَع ما أصابه على يَد مِسوخ هَمج أغراب. سَلبية تعكِسُها المَواقِف الخَجولة لغالبية النُخَب والفعاليات الجماهيرية العراقية، وصَمتها على مَآسي الوطن بل والتواطؤ مَع مُرتكبيها أحياناً، وربما في أحسَن الأحوال تعليقها على إستِحياء لا يُوازي فداحة الخسارة وحَجم الدَمار والخراب. سَلبية يَعكِسُها الإستِسلام للقدَر، وغِياب الإحساس بالمَسؤولية تجاه الوَطن وأجياله القادِمة، وفقدان زمام المُبادرة للتحَرّك والتغيير مِن أجل حَياة حُرة كريمة، بل ويَتجاوزها الى ساديّة في تحَمّل الذل والهَوان وإستِمراءه. سَلبية تثير التساؤلات،وتحتاج الى دِراسة مُعَمّقة لإيجاد الحُلول والعِلاجات الناجِعة لها. سَلبية تدفَعُنا في الخِتام الى أن نتَسائل:ماذا سَيَحدُث لو تبَيّن بَعد حين بأن الدكتور حيدر العبادي ليسَ على قدر المَسؤولية التي أنيطَت به ولا أهلاً لها! أو تبَيّن لا سَمَح الله بأنه أسوَء مِن سَلفه المالكي! هل سَننتظر حينها أن يَتدَخّل العَم سام لمَرة ثالثة لتليها رابعة ثم خامِسة!
فالى مَتى سَيَبقى ….

مُلاحظة: العَم سام هو رَمز ولقب شَعبي يُطلق على الولايات المتحدة الأمريكية

أحدث المقالات

أحدث المقالات