تعد اتفاقية سايكس بيكو من اهم الاتفاقيات ، اذ تم التفاهم سرياً عام ١٩١٦ ، وأثناء الحرب العالمية الاولى على تفكيك الامبراطورية بين بريطانيا العظمى وفرنسا ،وبموافقة روسيا ، حيث أدى هذا الاتفاق الى تقسيم المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية وهي سوريا والعراق ولبنان وفلسطين الى مناطق تخضع للسيطرة البريطانية ، واُخرى للسيطرة الفرنسية ، وبعد مرور ١٠٠ عام على إبرام تلك الاتفاقية تعود إلينا بوجه آخر ، وعلى أيدي اخرى غير تلك الايدي ، اذ كانت هذه الايدي “داعش” ، التي استطاعت من خلط أوراق المنطقة ، وإدخالها في صراع دامي ، وُادخل الجميع في تلك الدوامة ، وكانت الساحة العراقية -السورية هي منطقة الصراع ، وكبرت بعد ذلك لتشمل اليمن والخليج ، مما وضع المنطقة على حافة التقسيم ، وعلى أسس جديدة . الان وبعد مرور ١٠٠عام على توقيع الاتفاقية عام ١٩١٦ ، شهدت المنطقة والعراق خصوصاً ، والشمال تحديداً نشاطات ملفتة للتذكير بهذه الاتفاقية والتنديد بها ، اذ مهدت هذه الاتفاقية لتقسيم منطقة الشرق الأوسط عموماً والموصل تحديداً وبطريقة مركزة ، لم تأخذ طبيعة المنطقة من حيث القوميات والأقليات ، بل لم تراعي حدود المدينة مع دول الجوار ، والعلاقة مع هذه الدول ومنذ حقب طويلة ، وبالتوازي مع هذه الأصوات تعالت أصوات أنهت هذه الاتفاقية ، وأعلن عن وفاتها رسمياً ، وان المنطقة بدأت تسير نحو تقسيم جديد ، وبخطوط وحدود جديدة ، لهذا نراقب كيف ان الدول المحيطة بالعراق كانوا هم اللاعبين الاساسيين ، وان داعش هي الكرة التي يتم اللعب بها ، وتسييرها حسب طبيعة منطقة اللعب ، والحكم الذي يمثل القوى الغربية وفِي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية ، التي كانت الراعية والداعمة لهذه اللعبة ، والتي امست خطيرة بعد تعدد أساليب الصراع ودخول لاعبين آخرين كروسيا ، واستخدام القوة المفرطة في هذه اللعبة .
احداث الربيع العربي عام ٢٠٠١ ، وتراكم العوامل المحفزة للتغير ، شجعت من جديد سيناريو تغيير خارطة المنطقة ، وإعادة تشكيلها ، وبات هذا الرأي يرد كثيراً في الواقع الحالي ، وما تمدد داعش ودخوله الى أراضي الشرق الأوسط ، وتحديداً العراق وسوريا الا اعلان نهاية حقبة “سايكس بيكو ” ، وباتت حركة داعش تدمير والغاء للحدود الإدارية بين دول المنطقة ، وحتى تركيا المتضررة أساساً من سايكس بيكو ، تعالت أصواتها بضرورة الحفاظ على هذه الحدود لتلك الدول ، ومع كل هذه الأصوات التي طالبت وتطالب بالحفاظ على حدود ما زالت هناك حركة باتجاه تغيير الخارطة الاساسية للمنطقة ، وحتى ايران التي يعتقد البعض انها تسعى الى إقامة فيدراليات مذهبية ، الا انها تعمل جاهدة للحفاظ على الشكل الخارجي للدول .
يرى الكثير من المحلليين ان ظاهرة التقسيم التي تشهدها المنطقة ، ولو ظمناً ، ستهدد الأمن الأوربي ، وان اَي عملية تغيير ستكون غير صحية ، لان الاداة هو الاٍرهاب ، وهذا ما أكده اتفاق (كيري – لافروف) ، في ضرورة رسم طبيعة واداة الصراع ومستقبله في المنطقة ، لان هذا الصراع والمشهد لم يعد مقبولاً من الدول الغربية وتحديداً روسيا ، لذلك لزم ضبط وتيرة الايقاع للصراع في المنطقة ، وتحديد حجم وانتشار الصراع المسلح ، واحتوائه والحد من تفاقمه بما يحقق التهدئة المستقبلية المرجوة من جهة ، ورسم خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط من جهة اخرى .