23 ديسمبر، 2024 12:38 م

لوثر ايشو . . فرادة الرؤية في نصِّه البَصَري

لوثر ايشو . . فرادة الرؤية في نصِّه البَصَري

مُقَدماً لابد من الإقرار بأنْ:لايمكن تناول تجربة الفنان التشكيلي لوثر ايشو ــ باعتباره رساماــ مثل غيره من الرسامين المحترفين إعتمادا فقط على ما يمتلكه من مهارة تقنية في التعامل مع اللون والفرشاة وهو يرسم موضوعاته،ذلك لأنه : فنان مختلف في رؤيته الكلية لجوهر العمل الفني،من حيث المفهوم،وكذلك بمايذهب اليه من طبيعة العلاقة التي ينتجها ويطرحها للتداول مع المتلقي .
الاقرار بهذه الخصوصية لتجربة ايشو التي كانت قد ابتدأت مع منتصف العقد السابع من القرن العشرين وحتى وفاته في 18/6 / 2011 يضعها في اطارها الخاص،الذي يميزها عن تجارب الآخرين من ابناء جيله،سواء الذين ظهروا معه في مدينته الموصل(مزاحم الناصري،ليث عقراوي،رائد فرحان،غانم جياد،خليف محمود) أو  بقية ابناء جيله في عموم العراق .
ذاكرة متأملة
لم يكن لوثر من اولئك الفنانين الذين اختاروا الرسم في محاولة منهم لتأكيد مهارتهم في نقل واستنساخ الطبيعة والواقع بشكل اقرب الى فن الفوتوغراف،وليس هو من اولئك الفنانين الذين يسعون لأن يقلدوا التجارب الفنية الحديثة المعاصرة ببراعة واضحة في محاولة منهم لكي يمارسوا نوعا من الخداع مع المتلقي في مايطرحونه من اعمال تلعب عادة على مفردات لونية وبصرية وفق مساحات وخطوط غير واضحة المعالم والتشخيص في دلالاتها كما هي الحال مع تجارب واساليب الفن الحديث،مما يضع المتلقي بالتالي في حالة من الحيرة والارباك،بالشكل الذي يدفعه الى الذهاب نحو طاقة التأويل بقصد ايجاد مدلولات لهذا الغموض المبعثرعلى مساحة القماش .
لوثر فنان متأمل بشكل دائم لتجربته ولتجارب الاخرين،كان يملك فكرا واضحا تجاه مايريد أن يقدمه في عمله الفني،وهذا يعود الى صدق تجربته الفنية والانسانية، وامتزاجهما معا،وهذا الفكر الذي يختزنه يعود بخاصية ثرائه الى احترامه العميق للثقافة الانسانية،فقد كان حريصا على القراءة بشكل دائم ومثابر.
وبالاضافة الى قرأته الواعية لكل التجارب الفنية العالمية وما حصل فيها من تحولات في الفهم والرؤية والاسلوب والتقنيات،كان مهتما الى حد كبير بقراءة الادب والشعر ومتابعة كافة النتاجات الفنية المهمة،وخاصة في إطارالفن السينمائي والمسرحي،وهذا ما شكل خصوصية وتفرد ثقافته الذاتية.
من هنا بات ايشو يجد نفسه مُلزما في اعادة تقييم وقراءة العمل التشكيلي،واراد بذلك أن يأخذ به الى افقٍ آخر يخرجه من إطار التعبير عن موضوعة معينة ومحددة تعتمد بشكل اساس على امكانات فن الرسم : كاللون والتكوين والانشاء….الخ من المفردات التي تتألف منها اللوحة التشكيلية ،بل وجد اللوحة أبعد من أن تكون مرتبطة بالفن التشكيلي،بقدر ارتباطها بجوهر الفنون الابداعية الاخرى التي يُستدلُّ عليها من خلال النصوص التي يعاد قراءتها من جديد بشكل دائم،وتخضع في عملية التلقي الى بنية التفسير والتفكيك في تراكيب جملها ومفرداتها.
النص البصري.
وعليه ووفق هذا المسار الذي مضى فيه منذ فترة مبكرة من مشواره الفني،كان من المنطقي جدا ان يصل في بحثه الى استبدال تسمية(اللوحة التشكيلية)بمصطلح (النص البصري) .
فقد وجد في هذا المصطلح فهما دقيقا يعكس خصوصية رؤيته ونظرته لفن الرسم، ويبدوهذا الفهم اكثر نضجا وحداثة لطبيعة ماينتجه من اعمال فنية وهو ابعد مايكون عن تحقيق حالة الابهار والدهشة، سواء على صعيد الشكل بما يحمله من حرفية عالية في التقنية والاسلوب،أو في عملية ايصال موضوعة محددة، إنما هو  اقرب مايكون الى محاولة جادة لطرح رؤية فلسفية يختزلها نصه البصري .
مصطلح(النص البصري)من وجهة نظر الفنان لوثر هو الاقرب الى طبيعة فهمه لمساره الفني الخاص،بعيدا عن فهم الآخرين لفن الرسم واللوحة اللتشكيلية وافتراقا عنه.ومن خلال هذا الفهم وهذه الرؤية الذاتية يستطيع أن يخرج بعمله من اطار الفن التشكيلي البحت،الى اطار اوسع دلالة في مايذهب اليه من رؤية فلسفية .
فالنص البصري لديه بات افقاً مفتوحاً لايتأطر بما هو شائع ومتداول في تسمية عمل الرسام،وهذا ينسجم تماما مع قلقه الدائم،وبحثه المستمر عن الخروج مما هو قائم من مفاهيم فنية سائدة .
الانتماء للموروث الحضاري
بلا أدنى شك هذه الجرأة في مواجهة المألوف في منظومة الثقافة الفنية المتداولة لم تأت من فراغ،بقدر ما كانت حصيلة قراءةٍ واستيعابٍ وفهمٍ لكل ما انتجته الثقافة الانسانية في اطار حقولها الفنية المختلفة،وبنفس الوقت تعكس وعيا وانتماء للبيئة المحلية بكل عمقها الحضاري،وخاصة حضارة وادي الرافدين..فكثيرا ما تأمل لوثر الموروث الحضاري لبلاد مابين النهرين،وسعى بكل جهده الى ان يستكشف خصوصية ذلك التفكير الذي كان عليه انسان تلك الحضارات الذي انتج هذا الارث العظيم.
ومابين الماضي المحلي الحضاري البعيد وبين العصر الحديث الذي ينتمي له،كان لوثر يدور ويتأمل بحثا عما هو جديد بالشكل الذي يمكن  ان يضيفه الى مساره .
من هنا  لم يتوقف لوثر عند حدود الاكتفاء والتفاعل بأسلوب مدرسة معينة،بقدر ما حاول بكل جهده وتأملاته ان ينآى بنفسه عن التقليد والاستنساخ،وغالبا ماكان يجد ان المهمة باتت صعبة جدا امامه بعد كل الانجازات الكبيرة والحديثة التي جاء بها الفنانون خارج حدود المنطقة العربية التي يعيش ويتنفس فيها،وخاصة تلك التجارب في اوربا واميركا،حتى انه لم يتردد في الاقرارــ في حديث كان قد جرى بيني وبينه قبل وفاته بعام واحد ــ بأن:”لاشيء جديد في تجارب الفن التشكيلي العراقي والعربي،وهي في مجملها تعكس استدعاءً لكل ارهاصات الفن العالمي الذي تنتجه اوربا” .
لذا كان مصدر قلقه الدائم هو البحث عن شيء جديد،وهذا الذي دفعه لأن ينساق بشكل عميق في متاهة التجريب، لكن وفق ما ينعكس عليه الواقع المحلي الذي يرتبط به ويحيط بعمق.وهذا مايبدو واضحا في اعماله التي انتجها خلال الاعوام العشرة الاخيرة، خاصة بعد أن غادر مدينة الموصل مرغما بعد العام 2003 على اثر عمليات التهجير والتهديد التي طالت المسيحيين العراقيين .فقد اتسمت اعماله تلك من الناحية الفنية بنزوعها الفني الكثيف نحو الخلاص من اسر التجارب المشاعة والمتداولة في المشهد التشكيلي العراقي،والسعي الحثيث لتأكيد فرادة وعيه ورؤيته لمفهوم اللوحة على اعتبارها(نصا بصريا) يحاول من خلالها أن  يكتب مفردات فلسفته تجاه الحياة ومايصادفه فيها من اسى وألم ومواجهات وجودية .
*لوثر إيشو آدم ،( 1955 – 2010) فنان تشكيلي عراقي،يعد أحد رواد الحركة التشكيلية في محافظة نينوى وفي العراق كذلك .
ولد لوثر إيشو لعائلة في قرية ديري التابعة لقضاء العمادية عام 1955
ثم انتقل مع عائلته إلى مدينة الموص، تخرج من معهد المعلمين في الموصل ،ومن ثم اكمل دراسته في كلية الفنون الجميلة بالموصل ..شارك في تأسيس “جماعة نينوى” التي كانت لها دور كبير في الحركة التشكيلة في الموصل .
عمل مدرسا لمادة الرسم في معهد فنون الجميلة بالموصل، كما كان عضوا في جمعية الفنانين العراقيين ببغداد ..شارك في العديد من المعارض المحلية والعربية والعالمية.توفي في بلدة بغديدا في 18 حزيران 2010 على اثر نوبة قلبية.
المعارض والمشاركات
1977 معرض مهرجان الشباب العربي، بغداد.
1979 المعرض الشخصي الأول، نينوى.
1979 معرض فناني نينوى، حلب سوريا.
1981 معرض ثلاثة فنانين من نينوى.
1982 معرض فناني نينوى، قاعة التحرير، بغداد.
1985 معرض السنة الدولية للشباب، المتحف الوطني، بغداد.
1988  انجاز متحف شهداء قره قوش، نينوى.
1995 معرض المؤتمر العالمي لكنيسة المشرق، قاعة العلوية، بغداد
1996 معرض مشترك، قاعة الاناء، بغداد.
1996 معرض مشترك، قاعة حمورابي، عمان.
1998 معرض مشترك، قاعة شاهين، بيروت.
1998 المشاركة في مهرجان الواسطي، بغداد.
1998 المشاركة في معرض فناني نينوى، الموصل.
1999 شهادة تقديرية من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
  المشاركة في العروض المشتركة على قاعة الميزان لسنوات عديدة، بغداد.
2000 شارك في (صالون الخريف الأول) قاعة الساعة، الموصل.
2001 شارك في معرض (لغة الأزميل والقلم) معرض نحت وتخطيط، قاعة الساعة، الموصل.
2001 شارك في معرض (انظر الى مدينتي) ، قاعة الساعة، الموصل.
2001 شارك في معرض (صالون الخريف الثاني)، قاعة الساعة، الموصل.
2002 شارك في معرض (أزاهير نيسان)، قاعة الساعة، الموصل.
2002 شارك في معرض (جماعة نينوى) ،قاعة الساعة، الموصل.
2002 شارك في معرض مصغرات الفن العراقي، قاعة حوار، بغداد.
2002 معرض الطبيعة في الفن العراقي، قاعة حوار، بغداد.
2002 معرض الفن العراقي، باريس.
2002 معرض بعنوان (وجه الله) كلية بابل، بغداد.
2002 جائزة عن معرض الطبيعة في الفن العراقي، بغداد
2005 معرض جماعة نينوى الثاني على قاعة (فضاء وفن) بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي.
2006 معرض فناني نينوى، جامعة الموصل.
المشاركة في معارض جمعية التشكيليين العراقيين ونقابة الفنانين العراقيين السنوية، بغداد.
المشاركة في معارض مهرجانات الربيع السنوية، نينوى.
حاصل على شهادة تقديرية من مهرجان المسرح العربي الثالث، بغداد.
قام بتصميم الديكور المسرحي للعديد من المسرحيات.
قام بتصميم عشرات الأغلفة لاعمال أدبية.
تتوزع اعماله في الأردن، لبنان، فرنسا، النمسا، امريكا، انكلترا، ودول الخليج العربي.