إذا كان لابد من توفر لوازم لكل شيء لكي يقوم ويتقوم , فالأولى أن تكون للحكم لوازم وهو حاضنة كل شيء,وبدونه لاتستقيم باقي ألأشياء . واللوازم كثيرة ومتنوعة ومعقدة بمرور الزمن وبفعل التراكم . وبلحاظ التاريخ نجد أن لوازم الحكم بلغت ذروتها في العصر الحديث , من حيث التنوع والتعقيد والتفنن,مستفيدة مما أتاحه التطورالتقني والألكتروني من أساليب وأدوات غاية في الدقة والسيطرة. وكل نظام حكم ,عادلا كان أو ظالما يتخذ مايراه مناسبا من ألإجراءات لحمايته وحماية رعاياه بحجة لوازم الحكم ورعاية المحكومين حتى وهو يضطهدهم , فعليه أن يكون حازما وقويا لكي يهابه الجميع, ويعمل بشتى الوسائل ليركز ألأعتقاد بضرورة طاعته في أذهانهم راغبين أو صاغرين. وينسحب هذا المعيارعلى جميع التشكيلات البشرية, من بداية الخليقة حتى قيام الساعة, رغم التمدن والتحضروالتطورالذي شمل كل شيء إلا لوازم الحكم فما زالت تشهد نكوصا تزخرفه شتى أنواع الحريات حتى لايكاد يرى إلا لذوي العقل المستنير , بينما ألأغلبية مستغرقة في حياة (البعدالواحد) .
ومنذ سقوط نظام الحكم الدكتاتوري في العراق , ولازالت , أمريكا تجرب أبتكارها الجديد , مايسمى ب ( الديمقراطية التوافقية) كلازمة من لوازم الحكم الجديد في العراقسواء قبل وبعد
الحكم الجديد سواء قبل ألإنسحاب وبعده . مبررة ذلك بتعدد مكونات الشعب العراقي .وكأن دول العالم تخلو من المكونات المتعددة ولم تطبق فيها التوافقية كما طبقت قسرا في بلدنا لأغراض محسوبة , أو لأستدراج ألأقليات للوقوع في فخ الصراعات بذريعة المشاركة في الحكم وعدم التهميش والأقصاء . حيث تشكل التوافقية( العسيرةعلى التطبيق والمتناقضة مع المفهوم الديمقراطي ) عقدة الحكم المستعصية على الحل , لأنها سيف ذو حدين : ففي الوقت الذي تغذي فيه الصراع بين ألأطراف التي تعتقد أنها يجب أن تمثل في الحكم , تساهم وبصورة فعالة في تفريخ الخلافات والنزاعات وعدم الوصول الى قناعات مشتركة بسبب تعدد مراكز القوة والقرار ومصادر الدعم الخارجي .
ومازالت أمريكا تدعم وتراقب التوافقية, التي ستبقى تعرقل كل المسارات حتى ( مجاري الصرف الصحي ) في الوقت الذي يعتقدالسذج ب(سلامة
مقاصد الفاتح الجديد) وضرورة أنتظار ماسيسفر عنه المستقبل من تحول عراقنا الى (يابان الشرق ألأوسط ) . وحتى يبزغ فجر(ياباننا) الجديد سنظل حقلا لتجارب (فوضى العالم الجديد) بأفكار وتصورات أمريكية وأسلحة فتاكة وأجساد وأذرع ( القاعدة ألشاذة ) وصراعات حزبية وطائفية وبمشاركة فعالة ومباركة من دول الجوارالتي ستدفع الثمن عندما تحل بها كارثتنا. والمفجع والمحزن هو مايذهب ضحية ( الفوضى الخلاقة ) الآلاف من ألأبرياء ومنذ عشرة سنوات دون أن يحرك ذلك (ضمائر) اللاعبين الكبار والأقزام (التابعين والمأجورين) لأنه من لوازم الحكم و(لابد للحرب من ضحايا ) . ويجب أن لاتغيب (النظرية المالثوسية) عن أذهاننا ونحن نعيش المشهد الدموي وعدد الضحايا الذي تخلفه لوازم الحكم ألأمريكية في العالم .
وبحجة إنصاف ألأقلية( المذهبية) وعدم أستبداد ألأغلبية يتدخل الجيران في شؤوننا الداخليه وبالوسائل المختلفة ومنها مايتصف بالقذارة والوحشية لأن ذلك من مقتضيات حكمهم و( الهجوم أفضل وسيلة للدفاع ) خوفا من زعزعة أنظمتهم التي تعد لساعة الصفر .
وكان من لوازم الحكم في (نظام القطب الواحد) المتستر بتبني (حقوق ألإنسان) إستفحال سياسة التدخل ألأمريكي في معظم دول العالم , وكأن ألأمريكان قد حصلوا على تفويض من ( الرب ) لرعاية حقوق مخلوقاته في ألأرض . ولابد للعقل من بعض المسوغات لكي تنطلي عليه الخدعة , فمن لاينتصر للمظلوم الذي هضمت حقوقه مهما كان وفي أي مكان , ومعظم الناس يصدقون بحكم المعايير الشكلية التي تحتكم لها عقولهم في الحكم على الظواهروألأحداث التي تعصف بالعالم , مضافا إليه سطوة وهيمنة ألأعلام الحديث بكل وسا ئله على حواس وعقول السواد ألأعظم من المتلقين . وهكذا راحت أمريكا رافعة راية حقوق ألإنسان (تصول وتجول في ألعالم )بهذه الذريعة ( الميكافللية ) , مراقبة و(رعاية) وتدخلا , والهدف السامي المعلن هو ( تخليص الشعوب المضطهده من الطغاة ) وبمساعدة الحلفاء الذين تألبهم بسرعة بمختلف وسائل الضغط والترغيب
وماتفعله أمريكا في العالم اليوم ليس بجديد , فقد أمتطى بعض حكام ألأمبراطورية الرومانية والفارسية والبيزنطية والبريطانية والفرنسية والأسبانية وغيرها نفس الصهوة , ورفعوا رايات مختلفة , وكلها تتبرقع بشعارات وغايات غاية في ألأخلاق والسمو , ودخلوا البلدان (فاتحين) واستحلوا النساء الحسان وألأقنان وغنموا القناطيرالمقنطرة من الذهب والفضة , وفعلوا بالناس مايندى له الجبين دون وجل أو حياء , وكانت حجة ومبرر السابقين واللاحقين تخليص عباد الله المستضعفين من سياط الحكام الجلادين . وما دول أوربا ببعيدة عن هذا المسلك المشين ,الذي سيبقى يشكل وصمة عار في جباه من سلكوه .
وكان من لوازم الحكم ألأستبدادي – الملكي أبتداع وتبني ( التطرف الديني ) في النظر للآخر, ربما كرد فعل على مايراه الآخر من لوازم حكمه , كما أن الحروب الصليبية كانت التطرف الرسمي السافرللقضاء على الآخرالذي يعيد الكرة بطريقة حرب العصابات غير الرسمية .
وأبشع مافي لوازم الحكم إستخدام القنبلة الذرية ضد المدنيين العزل في هيروشيما مثلا كضرورة حربية أستخدمتها داعية حقوق ألإنسان وحامية (السلم وألأمن الدولي) , وليس غريبا أن تستخدمها مرة أخرى وبنفس المبررات أو بذرائع جديدة مبتكرة, فما الفرق هنا بين مختلف أنظمة الحكم السياسية فمعظمها تعتقد أنها تستخدم ماتراه مناسبا من لوازم حكمها حماية لمصالح شعوبها وبلدانها العابرة للمحيط حاليا !!!
فينعدم الفرق بين التوجهات والنتائج في الممارسة العملية بين أمريكا والقاعدة والأنظمة ألأستبدادية في العالم إن لم تكن ألأخيرة نتاجا للوازم الحكم ألأمريكية .
ولابد للعالم أن يحذر بشدة وينتبه الى ان ( القاعدة وفكرها الوهابي المتطرف ) ليست بعيدة عن الحصول على أسلحة الدمار الشامل وهي من لوازم حكمها وحربها العدوانية ضد ألأسرة الدولية, عندها سيشهد العالم مجزرة العصر وضراوة حرب ضروس لاتبقي ولاتذر . وكأني ببعض بوادرها على ألأبواب حيث أستخدمت الغازات السامة في أوقات وأماكن مختلفة في صراعات داخلية وخارجية . وقد شهد التاريخ ظهور أمبراطوريات كان من لوازم حكمها صيرورتها أمبراطوريات. وقد لعبت أدوارا متفاوتة في ألإستحواذ والهيمنة على شعوب العالم ومقدراتها. وأمبراطوريتنا الحالية سليلة ألأمبراطوريات الآفلة ورغم قرائتها للتاريخ وشهادتها على نهايته (حسب فوكوياما )إلا أنها مازالت تسيرعلى نفس نهج وخطى سابقاتها وبعينين معصوبتين ونشوةعارمة ستوردها مورد الهلاك, لأنها ترى أن من لوازم حكمها إصرارها على ماهي عليه الان كما أصرت أخواتها الهالكات من قبلها مع توفرالجميع على نفس آليات القيادة من منهج وعقيدة ووسائل القوة والجبروت والبطش والغروروالإكسيرالسحري (تسويق العلل والمبررات) لإسباغ الصفة الشرعية على الأنشطة والممارسات اللاشرعية.أما ألمظاهرات والإحتجاجات فحق تكفله الديمقراطية للجميع, وحرية الرأي مصانة…. لكن الحكومات تفعل ماتريد في مختلف ألأنظمة وفقا للوازم حكمها وتحكمها.
وهكذا فجميع ألأمبراطوريات ينتضمها قاسم مشترك واحد هو: (الرغبة العميقة والعارمة في ألإنتشاروالتوسع وبسط النفوذ والهيمنة والسيطرة والتحكم بالآخرين, بسبب الشعور الواعي واللاواعي بالتفوق والتفرد والسوبرمانية . وكلها تولد وهي حا ملة لبذرة الفناء هذه,لأنها تتوسع و تتضخم على حساب إراقة دماء المحكومين ونهب ثرواتهم, وكلها وجوه لعملة قبيحة واحدة هي ( لوازم الحكم اللاأنسانية ) .