22 ديسمبر، 2024 7:42 م

لهذه الاسباب فشلنا وسنفشل في محاربة الارهاب/1

لهذه الاسباب فشلنا وسنفشل في محاربة الارهاب/1

فتح الغزو الاميركي باب الجحيم على العراق فصار نعيما للارهابيين و ” المجاهدين ” من كل لون وصنف وجنسية ، ولكل مغامر محلي صاعد من قاع المجتمع متأملا المال والجاه والسلطة …وساهمت السياسات الاقصائية الطائفية الضيقة الافق للحكومات المتعاقبة في استقطاب ذلك المشهد وشحنه الى اقصاه .

اميركابنفسها فتحت الباب للارهاب ، وعندما خرجت لم تغلقه ورائها ….وحكومة المالكي ارتكبت خطأ ستراتيجيا بالسماح لها ( اميركا ) بالخروج ، بل بالحاحها على ذلك أملا باظهار نفسها بثوب وطني مستقل ( او ارضاءا لايحاءات من دولة مجاورة ) قبل ان تكون القوات العراقية جاهزة لمثل هذه الاعباء الامنية التي فشل الاميركان انفسهم في تحملها …مع أن المنطق يقول انه لا بد من ان تتحمل قوات الاحتلال كامل مسؤولياتها القانونية والاخلاقية في نشر الامن في البلد قبل ان تخرج ….فمنحنا لاميركا فرصة الهروب من المستنقع العراقي بأقل الخسائر المادية والمعنوية ، بل وبحفظ ماء وجهها بعد ان كانتى على قاب قوسين من هزيمة بحجم هزيمة فيتنام ( هذا ليس قولي وانما لاحد المحللين الاميركيين ) .

ومن الطبيعي لم يكن ذلك الخطأ الاول ، فمسيرة الاخطاء كانت قد تراكمت قبل وبعد الخروج الاميركي الى ان صارت بذاتها معوقا يمنعنا من الخروج من الشرنقة الامنية الخانقة التي نسجناها حول انفسنا . نحاول بقدر الامكان الابتعاد عن الشق السياسي في تحليلنا لاسباب الاخفاق الامني والعسكري ، لكننا لا نستطيع الفكاك او الفصل بين ماهو سياسي وامني لارتباطهما العضوي في مجريات الاحداث السابقة والمستقبلية كذلك . وفي هذا المجال يمكننا تأشير الاتي :

اولا . الارهاب في العراق لم يعد أمرا طارئا يمكن استئصاله بعمليات عسكرية متفرقة هنا وهناك ، بل صار نبتة لها حاضنتها الجغرافية والفكرية والمؤسساتية بكل ابعادها السياسية والمالية والتنظيمية ذات الامتدادات المحلية والخارجية .

فاميركا قوة عظمى غزت العراق باجندة خاصة تتلاقى وتتعارض مع اجندات قوى اقليمية كبرى وصغرى ، ومن ثم اصبح العراق ساحة صراع حقيقي ومازال لهذه الاجندات .

ثانيا . ساعدت السياسات الطائفية والاقصائية للحكومات العراقية ، ليس فقط ضد مكّون معين ، وانما ضد كل من يحمل فكرا علمانيا وليبراليا وقوميا او معارضا ، على خلق الاعداء وسهلت سيطرة الجماعات المتشددة والمتطرفة على حركة المعارضة بعد فشل كل الاحتجاجات والاعتصامات السلمية .

ثالثا . ايران وبعد زوال القوة العراقية الوحيدة التي كانت قادرة على منع التوسع الايراني غربا ، سارعت الى استغلال حالة الفوضى والدفع بمواليها واحزابها التي احتضنتها سابقا ( بتواطؤ اميركي واضح ) لملأ الفراغ وايجاد قاعدة قوية لها في الداخل العراقي …ولما كانت ايران واحزابها لا يمتلكون اية طروحات سياسية واضحة لاستقطاب الناس ، فقد تم التركيز على البعد الديني الطائفي والعاطفي لكسب جمهور واسع من البسطاء والجهلة والمتعصبين وذوي التعليم البسيط ….ومن الطبيعي ان يجد هذا الوضع فعلا معارضا محليا وخليجيا وعربيا تم تهييجه مذهبيا …فكان ان رمت هذه الجهات بثقلها الايديولوجي والمالي في ساحة ” الجهاد ” العراقية . كما اشتركت قوى دولية واقليمية اخرى في تغذية الصراع الداخلي لحصره ومنع امتداده اليها ( سوريا والاردن وروسيا مثلا ) .

ثالثا . القرارات القاتلة بحل الجيش والمؤسسات الامنية من قبل الحاكم بريمر بمشورة حاقدة من المعارضة السابقة التي باتت تتخوف من تلك المؤسسات على مكتسباتها الجديدة في السلطة …علما ان بناء مؤسسات بديلة جديدة امر ليس بالهين وواضحة صعوباته حتى لغير المختصين ( ومن يقول ان حل الجيش كان تحصيل حاصل بسبب انهياره فقد كذب ، ذلك ان الجيش كمؤسسة كان يمكن الحفاظ على هياكله التنظيمية ومعسكراته واسلحته واجراء تغييرات بسيطة في قياداته واعادة تاهيله وهي مهمة لم تكن تستغرق على اكثر تقدير اكثر من 6 اشهر الى سنة واحدة )

رابعا . البناء غير الصحيح للجيش وللمؤسسة الامنية والذي جرى بعيدا عن معايير المهنية والوطنية ، فكان من جراء ذلك ترهل هاتين المؤسستين ، وانتشار الفساد الاداري والمالي وضعف القيادات العليا والوسطى والصغرى وتفشي الهروب وظاهرة ” الفضائيين ” وضعف التدريب والحافز المهني والوطني للتطوع فيها. ولاسباب عدة لا مجال لذكرها اصبح الجيش الجديد متهما بانه يتبع مكوّن وطني واحد ولا يمثل التعددية الوطنية ، وعزز ذلك السلوكيات الطائفية لبعض الافراد والوحدات كرفع الرايات الدينية على المركبات العسكرية والشعارات الطائفية ومواكب العزاء داخل الوحدات ( التي لا تخالف فقط المعايير الوطنية وانما حتى السياقات العسكرية الصحيحة )…والانكى من ذلك ان بعض الوحدات العسكرية كانت تتصرف كانها قوات احتلال في بعض المناطق الشمالية والغربية ، فاستعدت الناس المحليين ضد الجيش ، وسهل ذلك سقوط هذه المناطق فيما بعد .

خصوصية الحرب على الارهاب

للحرب اشكال مختلفة ، ولكل منها اساليب محددة لخوضها تستلزم قوات ملائمة من حيث التنظيم والتسليح والتجهيز والعقيدة القتالية ..وقد تم بناء القوات العراقية على نحو مستعجل دون الاسترشاد بعقيدة عسكرية محددة والتي تعتبر الاساس قبل اية عملية بناء ( من الجدير بالذكر اني شخصيا دخلت في حينها بنقاش مع احد كبار الضباط الاميركان في مناسبة خاصة وانتقدت عملية التطوع الارتجالية في الجيش الجديد خارج معايير الانتقاء والاختيار المعمول بها عالميا خاصة في الجيش الاميركي …فكان رده ان اوامر واشنطن تقول بالاسراع بانشاء جيش عراقي جديد ليتسنى لنا الخروج السريع من البلد …) . وقد تم صرف اموال طائلة على الجيش والقوى الامنية الجديدة ( ذهبت معظمها بصفقات فساد والبعذ الاخر اختلاسات داخلية باشكال متعددة ) ، الامر الذي انعكس سلبا على القدرة القتالية للقوات المسلحة .

وبسبب خصوصية الارهاب في العراق وتحوله الى ظاهرة اجتماعية تستمد مقوماتها من عوامل محلية ودولية ، كان لابد من أن تكون محاربته ضمن رؤية ستراتيجية شاملة لكل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية ، وليس فقط بالاعتماد على العمل العسكري الامني فقط ( مهما كان فاعلا ) …من هنا كان اعتماد الحكومة العراقية على الحل الامني العسكري فقط خيارا فاشلا منذ البداية …خاصة وان هذا الخيار تسبب في تفاقم المعضلة بدلا من حلها بسبب اعتماده العشوائية والاستهداف الطائفي واعتماده اساليبا مرفوضة اخلاقيا ومهنيا معروفة للجميع .

وفي المجال العسكري ، يكون مفتاح النجاح في معرفة عقيدة الخصم و ساليب قتاله وتنظيمه وانتشاره …والحركات ” الجهادية ” في العراق استفادت كثيرا من تخبطات السياسات الحكومية ، وطورت الكثير من قدراتها بفعل التجربة القتالية المتراكمة طوال 12 سنة من مقارعة الاميركيين والقوات الحكومية ، ثم استفادت من انهيار الحدود مع سوريا فاصبحت ذات قدرة اكبر على المناورة بين قواطع العمليات …وبعد سقوط الرمادي وتكريت والموصل اصبحت اكثر قدرة على الانتفاع من الموارد المادية والبشرية الجديدة .

تتألف قوات هذه الحركات اساسا من مشاة خفيف وبعض الاسلحة الثقيلة ( المستولى عليها من الجيش ) ، ودمج القدرة النارية لهذه الاسلحة بحركات هجوم سريعة معززة بالعمليات الانتحارية والمفخخات والعبوات الناسفة والقناصة لاحداث تأثير صدمة قوي يتلوه هجوم المشاة السريع لايقاع اكبر خسائر بالعدو . والاكثر من ذلك عدم الاخذ بمسك الارض ، فهي تنسحب عندما يكون الهجوم المعادي متفوقا وتعمل على امتصاص زخمه بعمليات قنص وقصف بعيد وعرقلة تقدمه بالعبوات الناسفة المزروعة على خطوط تقدمه ، وبعد ايقاف او ابطاء العدو ، تقوم باستنزافه تدريجيا بهجمات صغيرة سريعة في عدة مواقع متفرقة لتشتيت جهده واضعاف تركيزه ،حتى لم يعد قادرا على الاستمرار بالقتال ( مع أن السيطرة على المدن خلقت معضلات جديدة للحركات المسلحة حدّت من قدرتها على المناورة واتباع اساليب الحركة السريعة والكر والفر بسبب الالتزامات الجديدة للدولة الاسلامية المعلنة وبالتالي الاضطرار الى اخذ مواضع دفاعية في مناطق حيوية خلافا للتعبية الاصلية لها وهو مايجب على الجيش اخذه بالاعتبار والبناء عليه ) .

لذا ماحدث من انسحابا ت لعناصر الارهاب من بعض مناطق تكريت لم يكن بالاهمية التي تم تصويرها حكوميا على انها انتصارات باهرة ( لاغراض اعلامية والترويج للحشد الشعبي ) ، فذلك يدخل في صلب عقيدة الجهاديين في امتصاص

الهجوم واستنزافه ثم العودة من جديد …وذلك مايحدث فعليا في تكريت والرمادي وبيجي وغيرها من مناطق . وسنناقش في الحلقة القادمة اسباب الفشل ومستلزمات المواجهة .