18 ديسمبر، 2024 5:22 م

لهذه الأسباب يجب أن نقاطع الانتخابات

لهذه الأسباب يجب أن نقاطع الانتخابات

في البدء علينا ان نقول ان الديمقراطية هي واحدة من أفضل ما أنتجه البشر من أشكال الحكم المختلفة على مر التاريخ ان لم تكن افضلها ، فهي التي نقلت السلطة من مدعي الالوهية وممثلي الالهة خلال العهود الغابرة إلى البشر الاعتياديين الذين يعاملون كموظفين طبيعيين في أجهزة الدولة ووظيفتهم فيها هي خدمة ابناء الامة .
لقد سقنا هذه المقدمة حتى نؤكد على ان وجهة نظرنا المتمثلة في رفض المشاركة في العملية الانتخابية خلال هذه المرحلة إنما هو رفض مؤقت لهذه الممارسة الديمقراطية، حيث لم تستطع الأمم أن تتخلى على اية حال عن بعض اشكال الديمقراطية ، وكل اشكال الحكم في العالم شهدت لو صورياً بعضا من انماطها وتمظهراتها، و شهد التاريخ ان الكثير من اعتى الانظمة الاستبدادية في العالم قد أضفت على حكمها بعضاً من الممارسات الديمقراطية، ما يؤكد على أن مشاركة الجماهير في الحكم هو ما يضفي الشرعية عليه .
هناك حكاية مأثورة تخبرنا أن أحد الآباء قرر ترك أبناءه مدة من الزمن بعد ان اصبح مضطرا للسفر لأجل غاية ما ، وبعد أن تركهم خلفه دب الصراع بينهم من أجل اتفه الأمور وابسطها وتطورت الأحداث إلى شجار يومي وفوضى لم يضع لها حد الا عودة ذلك الاب من سفره .
لقد مر الغرب بمراحل طويلة من النضال اقيمت خلالها الأسُس الصحيحة لوقوف الأنظمة الديمقراطية على قدميها .. ومع ذلك فإن استمرار الديمقراطيات في أفضل صورها لا يمكن ان يدوم في حالتين، الاولى حين يتعرض الوطن إلى عدوان خارجي ، حيث تزداد الحاجة إلى حاكم يقوي يستبد برأيه في بعض الأحيان كي لا يترك الأمر للمتراخين والرومانسيين وحتى لبعض الخونة ، ومن ثم ينجح في ادارة الحرب، وهذا ما حدث في اليونان القديمة التي تعطلت فيها الديمقراطية عند الغزو الفارسي الذي كاد أن يدمر تلك الحضارة العظيمة. أما الحالة الثانية فتتجسد في حالة نهضة أمة من الامم، حينئنذ يجب الحد من الممارسات الديمقراطية بعض الشيء من أجل تلك النهضة وما حدث في بداية ظهور الإسلام خير دليل على ذلك، فقد وجدت في العصر الجاهلي ممارسات ديمقراطية متنوعة كان لابد من تعطيلها في تلك المرحلة من أجل نهضة الامة .
ان محاولات تطبيق الديمقراطية في مجتمع ألِف العبودية وتعود النظر إلى الحكام على انهم ممثلي الإله وأنهم رموز مقدسة هي محاولات فاشلة قادت إلى ظهور أنظمة مشوهة تتظاهر بالديمقراطية لكنها تعيش في حقيقتها الاستبداد ، كما أن عدم تبلور فكرة الامة ورسوخ الانتماءات الثانوية كالطائفية والاثنية على الوطنية سمح للقوى الطامعة التدخل ومد نفوذها إلى البلدان العربية ما أدى إلى ظهور (ديمقراطيات مشوهة) .
إن اية عملية انتخابية تجري في وقتنا الحالي هي تشوية واساءة للديمقراطية نفسها، والاجدى بنا أن نوعي الجماهير ونُفهمهم بدايةً وعبر نهضة شاملة ان الحكام والمسؤولين ما هم إلا بشر مثلنا، وأنهم جميعاً موظفين لدى ابناء الشعب، وأن من لا يعمل على تجريد المسؤولين من الامتيازات المالية الضخمة هو فاسد يدعي الإيمان بالديمقراطية وهي منه بريئة.. اننا بحاجة إلى هذه النهضة التي ستعيد بناء الانسان بشكل صحيح قبل أن تمنحه حق اختيار ممثليه في الحكم .