2 نوفمبر، 2024 8:33 م
Search
Close this search box.

لهذه الأسباب لن تتكرر الثورة الشعبية المصرية في العراق / 2- استقلالية المؤسسة العسكرية

لهذه الأسباب لن تتكرر الثورة الشعبية المصرية في العراق / 2- استقلالية المؤسسة العسكرية

كنا في المقالة السابقة قد بيننا اوجه التشابه التاريخي والحضاري بين العراق ومصر وذكرنا بان ذلك لم يمنع من قيام اختلافات كبيرة بينهما ظهرت الى السطح في السنوات الاخيرة وان هذه الاختلافات تمنع تكرار تجربة الثورة الشعبية التي حصلت في مصر مرتين خلال سنتين في العراق وفي هذه المقالة نبدا بدراسة العوامل التي تمنع ذلك وبشيء من  التفصيل وكما يلي :
اولا : استقلالية المؤسسة العسكرية :
 من الامور الملفتة للنظر الى حد الغرابة أن نجد ان وزير الدفاع في مصر هو القائد العام للقوات المسلحة يشرف عليها ويصدر لها الاوامر ويديرها بشكل مستقل عن رئيس الجمهورية الذي لاتربطه مع القوات المسلحة إلا العلاقة التشريفية ولاتربطه مع وزير الدفاع إلا علاقة الرئيس مع الوزير باعتباره الوظيفي وتنقطع العلاقة عند هذا الحد ولاتمتد عمقا إلى الجيش فالرئيس المصري لا يستطيع تحريك القوات العسكرية ولا إيقاف تحركها بينما هذا من صلب صلاحيات ومسؤوليات وزير الدفاع وهذه الحالة تمثل قمة في الديمقراطية المبنية على الفصل في السلطات فالسلطة المدنية لا تتدخل في السلطة العسكرية التي لا تتدخل هي الأخرى في الشأن السياسي الا بالقدر الذي يحفظ الدولة من الانهيار وبالشكل الذي يتلاحم مع الشعب ويحقق له مطالبه كما حصل في ثورة (25/فبراير- شباط/2011) و (31/آب – اغسطس/2013) حيث وصلت الأمور في مصر في الحالتين إلى غليان شعبي لم يسبق له مثيل ونزل عشرات الملايين من المصريين من مختلف الشرائح على امتداد البلاد معتصمين في الساحات والميادين والشوارع مما عطل البلاد وجعلها على حافة الانهيار الاقتصادي والسياسي والأمني وكان يمكن أن يؤدي إلى فتنة حرب أهلية لولا تدخل الجيش في الحالتين وهذا يعني ان الجيش المصري يتمتع بأعلى درجات الوعي والمسؤولية التاريخية والوطنية ويمارس دور (سيف الشعب) في وجه السلطة . كل هذه الخصائص مكنت الجيش المصري وبالتلاحم مع الشعب ان يكونا حالة فريدة من نوعها في الشرق الأوسط والمنطقة بل وحتى على الصعيد العالمي فلم تحدث في اي مكان ثورة مثل التي حصلت في مصر وهذه الحالة غير موجودة في العراق ولانتصور انها ممكنة الحصول في المدى المنظور على الاقل بسبب ان السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية سابقا وبرئيس الوزراء بعد سن الدستور الحالي في عام 2005 تحكم سيطرتها بشكل كامل على كافة مفاصل الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية فرئيس الوزراء في العراق حاليا هو القائد العام للقوات المسلحة بموجب المادة (78) من الدستور العراقي وهو من يرشح وزيري الدفاع والداخلية الى منصبيهما لانه من ضمن مسؤلياته الدستورية بتشكيل الحكومة حسب المادة (76/اولا) من الدستور وهذا يعني ان له  السلطة على توجيههما بل ان اختيارهما لن يتم الى بعد انطباق شروط معينة عليهما لعل من اوضحها تبعيتهما المطلقة لرئيس الوزراء. كما يشترط الدستور العراقي ان يكون وزير الدفاع مدنيا اي من خارج المؤسسة العسكرية بينما في مصر يكون وزير الدفاع  من عمق المؤسسة العسكرية ومحتفظا برتبته واستمراريته فيكون صاحب نفوذ على القادة الآخرين بسبب سنوات العمل المشترك الطويل والطاعة العسكرية المعروفة وهي مواصفات يفتقدها وزير الدفاع العراقي الذي يجب ان يكون قد ترك الخدمة في الجيش وان يمارس عمله ومسؤولياته في منصبه بصفة مدنية . وهذه التركيبة في المؤسسة العسكرية تتيح لرئيس الوزراء العراقي كامل السلطة والصلاحية للاشراف على الجيش واصدار الاوامر الى المديريات والقطعات والقادة كما يريد وينقلهم حسب ما يراه وبشكل مباشر في احيان كثيرة متجاوزا حلقة وزير الدفاع . اضافة الى ذلك فان رئيس الوزراء العراقي في الوقت الحاضر يمسك بالملف الامني بشكل مباشر وظيقيا أوحزبيا من خلال اعضاء حزبه والمقربين منه الذين وضعهم على راس المؤسسات الامنية فهو يشرف على وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وجهاز المخابرات ودوائر الاستخبارات مما بعني انعدام امكانية تحرك الجيش العراقي للقيام بدور مماثل لما حصل في مصر .
ولعل الفرق بين الحالتين ناتج من ان مصر استقرت بعد ثورة 1952 من ناحية التبدلات السياسية في السلطة التنفيذية من جهة ومن ناحية تدخل الجيش بالسياسة من جهة اخرى فقد حكم مصر من عام 1952 لغاية 2011 ثلاثة رؤساء فقط ولم يحصل فيها انقلاب عسكري بل ان السلطة انتقلت بين الرؤساء بشكل شبه تلقائي .
اما في العراق فان دور الجيش العراقي يختلف تماما عنه في مصر ففي العراق حصل اول انقلاب عسكري في المنطقة بقيادة الفريق بكر صدقي عام 1936 وفي عام 1941 ساهم العقداء الاربعة مع رشيد عالي الكيلاني بحركة مايس ضد الوجود البريطاني في العراق وتحرك الجيش وقام بثورة 14 تموز 1958 (التي مازل البعض يعتبرها انقلابا عسكريا) تبعه مباشرة في عام 1959 القيام بتمرد عسكري قاده الفريق عبد  الوهاب الشواف في الموصل ثم حصل انقلاب عسكري في عام 1963 اطاح بالحكومة العسكرية وحلت محلها حكومة عسكرية اخرى اطيح بها بعد اقل من سنة بانقلاب عسكري اتى بحكومة عسكرية اخرى ولم تدم الامور كثيرا حتى حصل انقلاب عسكري اخر في  17 تموز عام 1968 تبعه الانقلاب الداخلي من قبل نائب الرئيس على رئيسه عام 1979 بالاستناد الى قوة ونفوذ صدام حسين وتاثيره الكبير على المؤسسة العسكرية وكل هذه الانقلابات حصلت من قبل القادة العسكريين او بمشاركة رئيسية منهم وكان دور الجيش العراقي هو الحاسم فيها فالغلبة لمن سيطر على الجيش وخاصة القطعات المهمة واهمها المعنية بالحماية الرئاسية مما يعني ان دور الجيش في العراق في الحياة السياسة دورا كبيرا وفاعلا وهو اللاعب الرئيسي المباشر في كل ما حصل على العكس من الحالة المصرية.
كل ذلك رسخ لدى المؤسسة التنفيذية في العراق وخاصة بعد انقلاب 1979 خوفا من الجيش جعلها تعمل ان يكون الجيش تابعا للحكومة بشكل كبير خوفا من استمرار الانقلابات  في حالة استقلاله عن السلطة التنفيذية من جهة الاوامر والتحركات العسكرية .
ومن هذه الفروقات في المؤسسة العسكرية بين الحالتين المصرية والعراقية اعتقد قريبا من الجزم بانه لن يحصل عندنا ما حصل في مصر من ثورة شعبية يشترط لنجاحها مشاركة الجيش في قطف ثمارها . واني ارى ان الصيحات التي تتعالى من هنا وهناك وتطالب العراقيين شعبا وجيشا بفعل مماثل لما جرى في مصر فاقدة للدقة وبعيدة عن الواقع وليس فيها سوى الاوهام ولذلك علينا نحن الراغبين بالتغيير ان نبحث عن وسائل اخرى اكثر نجاحا وواقعية وديموقراطية وتلائم الواقع العراقي من اجل ان نحصد ثمارها بالتغيير المنشود .
الجزء اللاحق من المقالة يتناول عنوان : حرية الارادة الشعبية

أحدث المقالات

أحدث المقالات