في مثل هذه الأيام من شهررجب الأصب، تمرْعلينا ذِكرى إستشهاد رجلٌ أرعب دولة بأكملها ببعثها وصدامها !، رجلٌ عرفه التأريخ فنقش إسمه في ضمائر المجاهدين، رجلٌ حمل المعايير الحقيقية للقائد الذي أراد نُصرة وطنه وعقيدته وشعبه، وقدم التضحيات الكبيرة لأجلِ عراقٍ آمن خالٍ من العبودية والرِقْ، فمن هو هذا الرجل؟ وكيف أُسدِل السِتار عن رحلته ولماذا قُتلْ؟!
في نيسان عام 2003 عاد السيد محمد باقر الحكيم إلى العراق؛ بعد 25 عاماً من الجهاد، ضد النظام البعثي الفاشي، وعند عودته كانت خِطاباته لا تميل لمصلحة من تأبط للعراق ولشعب العراق شراً، بل كانت خِطاباته تحث جميع أبناء العراق، على الوحدة والعفو عند المقدرة، ومن كلماته التي أدخلت الرعب في نفوس المستعمرين”نحن.. نرفض الهيمنة الخارجية على مقدرات العراق، وثرواته وفقدان السيادة الوطنية”، وربما بسبب هذه الكلمات قتلوا الحكيم؟!.
بعد إسقاط النظام الديكتاتوري القمعي فعلياً عام 1991 عبر الإنتفاضة الشعبانية المباركة، بدأ ظهور حركات وأحزاب ولجت الساحة السياسية، وإنضمت إلى المعارضة العراقية آنذاك، لكن لم تكن شِعارات المعارضة العراقية موحدة؛ وكانت الغاية فقط إسقاط نظام صدام المجرم بأيّ طريقة.
القائد الوحيد الذي برز بشجاعة ووحد كلمة المعارضة، وساوى صفوفها، هو السيد محمد باقر الحكيم، النجل الخامس من بين 9 أخوة ذكور، لزعيم الطائفة الشيعية السيد محسن الحكيم(قدس)، كانت لمحمد باقر الحكيم الكلمه الفصل، وكان يفكربما بعد إسقاط النظام البعثي المجرم، ولإنه أيقن إن بعد إسقاط نظام صدام ستحدث بلبلة وإنكسارات في صفوف بعض الطوائف، حث على التهدئة والعقلانية والتوجه نحو القانون لفض النِزاعات.
محمد باقر محسن الحكيم، ولد في 8 تموز 1939 وإستشهد في 29 آب 2003، أثر تفجير النجف بعد خروجه من ضريح الأمام علي (عليه السلام)، حيث كان يُلقي خطبة صلاة الجمعة، وراح ضحية ذلك التفجير ما يقارب الـ 83 شهيد، يُعد محمد باقرالحكيم، من أبرز القادة الشيعة في العراق، مارس التدريس في الحوزة العلمية في السطوح العالية في النجف الاشرف، كما مارس التدريس منذ عام 1964 م في كلية أصول الدين في بغداد في مادة علوم القرآن، وفي جامعة الإمام الصادق في طهران، وفي جامعة المذاهب الإسلامية لعلم الأصول، كما إشترك مع آية الله السيد محمد باقر الصدر، في مراجعة كتابيه (فلسفتنا، واقتصادنا) وقد وصفه الإمام الصدر في مقدمة كتاب اقتصادنا بـ “العضد المفدى”.
حتى عودته إلى العراق، كان يرأس المجلس الأعلى لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، أبدى السيد محمد باقر الحكيم إهتماماً مبكراً بأحوال المسلمين وأوضاعهم، هاجر من العراق؛ بعد وفاة آية الله السيد محمد باقر الصدر، في تموز من السنة نفسها، قبل أشهر من إندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، إنتخب السيد محمد باقرالحكيم، رئيساً للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق منذ عام 1986 إلى إغتياله.
عاد إلى العراق في 10/5/2003، و حظي لدى عودته بإستقبال حاشد في البصرة التي كانت مدخله إلى العراق، ومنها شق طريقه إلى النجف الاشرف، إستقر في النجف الاشرف في 12/5/2003، وبعد وصوله بإسابيع أقام صلاة الجمعة، في صحن الإمام علي ع، وكان يدعوا إلى مقاومة سلمية للإحتلال و لا يحبذ المقاومة المسلحة؛ بسبب تيقنه من أن الشعب مُنهك من ظلم صدام، ولذا يجب إستخدام طرق أخرى، واذا لم تأت بنتيجة سيكون هناك كلام آخر، وقد قال في صحيفة العدالة: “منهج القوة لا يعتمد إلا بعد إستنفاد كافة الأساليب السلمية، والكلمة الطيبة، والحوار والمنطق، وهو ما لم يستنفد بعد.. وعلينا بذل الجهود المشروعة ذات الطابع السلمي لإنهاء الاحتلال”.
في يوم الجمعة، الأول من رجب 1424 هـ إستشهد السيد محمد باقر، بأنفجار سيارة مفخخة وضعت قرب سيارته، بعد خروجه من الصحن الحيدري الشريف بعد أداء صلاة الجمعة.