23 ديسمبر، 2024 6:15 ص

لن ينصلح حال البلد …. مالم ينصلح حال البرلمان …!! – أفـكار للمعالجة

لن ينصلح حال البلد …. مالم ينصلح حال البرلمان …!! – أفـكار للمعالجة

بما انّ الله قد مـَـنّ علينا ببركــة النظام البرلمانـي بعد سقوط النظام الدكتاتوري الصدامــي عام 2003 ، والنظام البرلماني يعني أن غالبية المسؤولين في الصف الأول والثاني يتم أختيارهم أو الموافقة على تعيينهم من قبل البرلمان .. من رئيس الجمهورية و نوابـه ، رئيس الوزراء و نوابه .. الى الطاقم الوزاري ألذي يختاره رئيس الوزراء ولكن من يبصم على أستيزارهم هو البرلمان … و ذوي الدرجات الخاصــة ، رؤوساء الهيئات المستقلـة ، رؤوساء التشكيلات القضائــية الرئيسية ، قادة التشكيلات العسكرية الكبيرة من قائد فرقة فما فوق أضافة الى رئيس أركان الجيش و معاونيه ، السفراء ، ديوان الرقابة المالـية ، هيئة الأتصالات .. وما شابه ذلك … وكل ذلك منصوص عليه في الدستور ضمن المادة 61 ، 62 ..!
وبناءاً على ذلك فأن لـحية البلـد و مصالح الناس بأيدي البرلمان … وعندما يكون البرلمان حقيقي .. و يــُمثـّل فعلاً مصالح الشعب و الوطن .. فأن كل مُـنتجاتــه التشريعية و الرقابية ستكون صالحــة وفي خدمــة الشعب و الوطن …!!
البرلمان العراقي فشل طيلة الزمن السابق ولحد الآن في أداء دوره المـُـصمّم له وفق الدستور في الرقابـة و التشريع بفعل عدة عوامل .. أبرزها :
1- نظام المحاصــصة الذي تأســّست عليه العملية السياسية برمـّتها ، والذي أنعكس بالضرورة على تركيبة مجالس النواب المتتالية .. فالكتل و الأحزاب السياسية التي تتناطح و تتصارع خارج البرلمان ، سواءاً في مفاصل الحكومـة أو في ثنايا الدولة عموماً .. هي نفسها موجودة داخل البرلمان .. ولذلك من الطبيعي أن أي مشكلة أو مواقف متضاربة تحصل خارج البرلمان ستجدها في اليوم الثاني داخل البرلمان ..!

2- قانون الأنتخابات البرلمانية الذي صيغ بطريقة فيها لمسات طائفية و دينية و عـِرقية .. بمعنى آخر صيغة لا تمس جوهر مبدأ المحاصصة … في البداية كان نظام القائمة المغلقــة ومن ثم تم تعديل القانون لكي يتحوّل الى نظام القائمة نصف المفتوحــة بعد ضغط الناس و المرجعيات والأعلام  لتعديله ، ولكن بقي القانون غير مـُنصف و غير واقعي .. أذ يسمح بعضوية نواب لم ينتخبهم الشعب ولم يحصلوا على أصوات تكفي حــتى لكي يكونوا أعضاء في جمعية خيرية وليس في مجلس النواب …!! من خلال تجـيّـير ألأصوات الفائــضـة من القائمة أو الكيان السياسي لأعضائها الخاسرين .. و الدليل أن 306 نائب في البرلمان الحالـي من مجموع 325 نائب لم يفوزوا بانتخابات 2010 ، بل بالأصوات الفائضة من قوائمهم …!

3- الأمتيازات و المكاسب و الرواتب و التقاعد و المُـنح التـي يتمتـّع بها عضو البرلمان والتي لا يوجد شبيهها في كل برلمانات العالم ..! هذه الأمتيازات الخرافية تدفع الكثير الكثير من أعضاء مجلس النواب لأن يبيع ( أمــّه و أبوه ..! ) في سبيل الأحتفاظ بكرسي البرلمان .. ومن هنا تجد أن الأعضاء وخصوصاً الغيـر مـُـنتخبين فعلاً … يطيعون طاعة عمياء و طرشاء و خرساء لرئيس الكتلة الذي تــَـفضـّـل عليهم بكل نــِعـَم البرلمان عندما أختارهم لتكملة مقاعد الكتلة أو الأئتلاف .. و بالتالـي هؤلاء سيكونون رهن أشارة ولــي النعمـة ..! وما نشاهده باستمرار من أستماتة هؤلاء في الدفاع عن سيـّـد القائمة و مواقفه حقاً     أو باطلاً خير دليل على ذلك ..! كذلك فأن أغراء الأمتيازات المذكورة دفع الكثير من الحالمين بالمكاسب و الأمتيازات من عديمي الكفاءة و الخبرة و النزاهــة الى الترشــّح لعضوية البرلمان من خلال الكتل و الأحزاب و حتى كأفـراد مُستقلـّين … مما ادى الى عجز البرلمان و تأخــّره في اداء واجبه .. وفي نفس الوقت جـَعلـَهم كالأمـّـعات أســرى للمطامع المادية و مـُغريات العضوية دون أن يكون لهم دور ناشط و فعال و مُـنتج خشية أن يــُدلوا برأي أو يتخذوا موقف يزعـّـل ســيّـد الكتلـة … ! و الدليل على ذلك هناك أعداد كبيرة من البرلمانيين أناث و ذكور لم نسمع صوتهم ولا حتى سمعنا بأسمائهم طيلة المدّة الماضــية …!!

أذن لكي ننتقل من حالة الفوضـى و الشَـلل و تضارب المصالح و المماحكات السياسية … والتي ضيـّـعت على الشعب و الوطن سنوات طويلة و ثروات طائلـة …  الى الحالة السليمة التي يــُفترض أن يكون عليها البرلمان كـمـُمثـّل لمصالح الشعب و الوطن .. علينا أصلاح حال البرلمان من الداخـل … و عندما ينصلح الحال داخل البرلمان سينصلح و سيتصلـّح حال الكثير من العيوب و المفاسد و الأزمات التي عصفت بالبلد و الناس طيلة السنوات الماضية .. ولكن هل يتجرأ أحد من البرلمانيين أو السياسيين أو رؤساء الكتل للقيام بالأصلاح المطلوب …! الجواب كلا لأنهم رتبوا وجودهم و مصالحهم على أرضية الفوضـى هـذه …  فقط الشعب وحده يستطيع ذلك .. مــُتمثـّلاً بالجماهير و القوى الوطنية النظيفة و الأعلام و منظمات المجتمع المـدني و الكتاب و المثقفين والسياسيين الشرفاء.. عن طريق تحشيد كل الجـُهـد الوطـني بهذا الأتجاه ، ما عدى ذلك ستبقـى دورة الأزمات و المشاكل و التطاحن السياسي تـتـجدّد باستمرار …!!
لتحقيق ذلك هناك اجرائــين مهمـّـين يمثــّلان البدايــة الصحيحة لمسيرة المعالجــة :
1- أقـرار قانون أنتخابات جديد يتيح للناخب معرفة المرشـّـح معرفة مباشرة ، لكي يختار المواطن من يعتقده مناسباً … لا أن ينتخب شخصاً لا يعرف عنه سوى أسمه و صورته .. بعبارة أخرى يكون الترشيح مناطقي و فردي .. أي مثلاً لا يختار أبن الأعظمية مرشـّـح من البياع أو المواطن في الدورة يختار مرشــّح من الشـُـعلـة .. لا يعرفون شيئاً عنهم سوى أنهم من   (  جماعـة ) قائمـة أسامة النجيفي أو من قائمة نوري المالكـي أو من جماعة أياد علاّوي …!!
كذلك ألغاء موضوعـــة تجــيـّير الأصوات الفائضــة .. بل تــُحسب الأصوات التي حصل عليها كل مرشح من الأعــلى الى الأقل ثم الأقل … وهكذا الى أن يكتمل العدد المطلوب لأعضاء مجلس النواب .
ولا بأس أن يوضع حد أدنــى معقول لعدد الأصوات الكافية لعضوية البرلمان , كأن يكون خمسة و عشرين ألف صوت مثلاً ،  أو خمسين ألف .. و بالتالـي ستـتحقق الشرعية المطلوبـة لعضوية مجلس النواب بشكل حقيقي .

2- ألغاء جميع الأمتيازات و المكاسب التي مـُـنـحت و تــُمنح للنواب بغير وجه حق وبدون أستحقاق قانوني أو شرعـي أو منطقي وبأثر رجــعي .. معروف للجميع أن عضو مجلس النواب هو شخص متطـوّع و ليس مـُجبر على الترشـّح لعضوية المجلس .. أي لم يــُكرهــُه أحد على الترشـّح بل هو بملئ أرادته و رغبته تطوّع للترشيح … و المتطوّع لا يحقّ له المطالبة بأي أمتيازات أو مُــنـَـح أو تقاعد أو ماشابه ذلك … فالذي يــُريد أن يخدم الشعب و الوطن تطوّعاً لا يبحث عن مغانم …!! من ناحية ثانية كيف يمكن تبرير الراتب التقاعدي لعضو البرلمان وهو ليس موظفاً في الدولة ..؟ تحت أي قانون تقاعد يكون ذلك …!!! كيف يجوز منح راتب تقاعـدي كبير جداً لشخص عمل في البرلمان لمدة لا تزيد في أحسن الحالات عن أربعة سنوات .. وهناك من عمل لشهور فقط كما هو الحال في أعضاء الجمعية الوطنية ( أول مجلس وطني أنتقالي تم أختياره من قبل الكتل السياسية بواقع 100 عضو عام 2004 ..! ) . أذن الراتب التقاعـدي لعضو البرلمان هو أجراء غير قانوني و غير شرعـي .. أمـّا كون هناك قانون لتقاعد البرلمانيين هم أقــرّوه لأنفسهم .. فهذا لا يـُـبرر هذه السرقة المفضوحــة للمال العام …!!
   البديل المعقول و المنطقي و العادل هو :
أ‌- منح أعضاء البرلمان راتب مجزي خلال فترة الدورة البرلمانية فقط .. كأن يكون خمسة أو ستة ملايين دينار شهرياً.
ب‌- منح أعضاء البرلمان جواز سفر دبلوماسي أثناء الدورة البرلمانية فقط .. وليس كما هو معمول به حاليا لمدة 12 سنة هم و عوائلهم … لماذا عوائلهم ..؟؟ الجواز الدبلوماسي يـُمـنح له لتسهيل مهمته في أداء واجبه البرلماني كتسهيل سفره وحصوله على سمة الدخول ..!
ت‌- ألغاء أي راتب تقاعدي … و يمنح بدلاً عنه مكافأة نهاية الخدمة … ويعود البرلماني بعدها الى المكان الذي جاء منه ، فأن كان موظفاً يعود لوظيفته .. وأن كان يعمل في القطاع الخاص يعود أليه ومن كان عاطلاً يعود ليتدبــّر حاله بنفسه .. وهكذا .
ث‌- ألغاء و بأثر رجعي كل العطايا و المـُنح التي يأخذها البرلماني من الدولة كقطعة الأرض أو منحة تحسين الحال أو ما شابه ذلك … لأن جميع هذه المغانم لا تمتلك الصفة القانونية و الشرعية لمنحها .
هل لكم أن تتصوّروا لو أن هذه المطالبات المـُـنصـِفة و المنطقية في أي بلد ديمقراطــي قد تَـحقـقت ..فمــَن الذي سيـُرشح متطوّعا لعضوية البرلمان …؟؟ الغالبية التي ستـُرشــّح ستكون من العناصر النظيفة و النزيهة و الكفوءة .. وبذلك سنحصل على برلمان حـقيقي متماسك مــُخلص للناس الذين أنتخبوه وليس لسيد الكتلة أو الحزب … ولن يكون عـبداً للأطماع و المكاسب المادية وبذلك يتحـرر عضو البرلمان من أي سطوة عليه سوى سطوة الضمير و سطوة الشعب .
و عندها سيكون البرلمان مــُـهاباً و محترماً من السلطة التنفيذية .. و سيحسب المسؤول التنفيذي و على جميع المستويات ألف حساب لسلوكــه و أدائــه لواجباته , وكما يقول المـثل : ( ألأمام الما يشوّر .. يسمـّـوه أبو الخــرگ ) .
أدعوا الجميع للبـدء بحمـلـة وطنية لتحقيق ذلك …. !

مستشار ثقافـي لمنظمة بلاد السلام لحقوق الأنسان
[email protected]