23 ديسمبر، 2024 2:29 م

لن يفلح الارهاب بزرع الريبة المتبادلة .. شهامة العراقيين تجعل الكل مسؤولا.. أخلاقيا.. من الآخرين

لن يفلح الارهاب بزرع الريبة المتبادلة .. شهامة العراقيين تجعل الكل مسؤولا.. أخلاقيا.. من الآخرين

(1)

قبل 2003

إذا آلمت المرء ساقه؛ جراء تشنج أو شد عضلي، وهو يمشي في شارع ما، في اي من مدن العراق، خلال العقود الماضية.. قبل 2003، فإنه يقبل على أقرب محل، يحيي أصحابه ويستأذنهم بالإستراحة.. ريثما ينبسط التشنج، جالساً؛ بإعتبار موافقتهم حاصل تحصيل؛ إذ لم يسبق أن إعتذر أصحاب محل عن إستقبال إنسان في حالة طارئة.. إنما يبادرون الى تقديم قدح ماء له، ممرغين الشد بما يعرفون من أساليب التدليك، ريثما يصل الشاي الذي اوصوا به؛ ترحابا.

“أولئك أصحابي فجئني بمثلهم”

بهذا الكرم المطمئن للآخرين.. بلا ريبة ولا إستهجان، ولا أحد يعد الإقدام عليه، تهديدا أو إقتحاما؛ إنما يشكره؛ لأنه إختار محله من دون سواه؛ لتشريفه بطلب المساعدة.. متمثلة بالاستراحة حتى يتعافى.

وعندما يغادر بكامل صحته يلاحقونه بالقسم:

–          الله عليك محتاج فلوس؟

 

(2)

بعد 2003

عندما (أوجر) الارهاب بالعراقيين، ممررا شره بألف طريقة ولبوس؛ لم يعد أحد يقبل على محل كي يستريح فيه؛ لأنه يدري أن الحيطة من الغرباء والحذر ممن يدعي طلب المساعدة، واجبة بسبب تكرار حالات الخداع التي أودت بحياة الابرياء شهداء لتفجير مفخخة او حزام ناسف.

 

(3)

المطلق

ردة الفعل الحذرة، نسبية.. طارئة مؤقتا على العراق، إنما المطلق الثابت هو انهم أهل كرم يفرشون عيونهم للضيف، خاصة الغريب، مدخرين ما لذ وطاب للقادمين:

“هلي ما غدوا الغد بغداهم

ولا مطرودهم منهم غداهم

هلي بالجوخ وقادة غداهم

إهديبي للّفة بعد العشية”.

أي جمل لمن جاء متأخرا؛ فماذا تعشى من حضر في الوقت المناسب؛ برغم “الهبل” الذي ينطوي عليه، ايقاد النار بالجوخ.. النوع النادر والغالي والمستورد، من الحرير؛ بسبب وفرة الحطب التقليدي، لكن هذه المبالغة موضع فخر، حتى وإن من يقدم عليها يعد مبطرا يغيظ الله بغضا، لكنها من نوع الـ “هبل” الذي يستحق ان نفخر به، مثلما يجب ان يفخر كل دليمي وعموم العراقيين بالنكتة المتداولة، والتي مفادها ان دليمي إحترق بيته، فأمسك برجال الاطفاء، قائلا:

–          بالحرام ما تطفون إلا تتغدون.

هذه هي الصفات الاصيلة التي لن تتغير، مهما ناور بها المجتمع لإتقاء ظاهرة ما وتمرير وباء كالارهاب أو التشبث بالحياة، في ظل مجاعة العقوبات الدولية “الحصار” وسواه؛ لأن الطبع يغلب التطبيع.

لذا أجد ان بعض الحذر الذي يمارسه العراقيون الآن، لن يدوم، بمجرد ان تنتفي ظاهرة الارهاب، الى زوال إن شاء الله، ويعود من يلتوي كاحله، في شارع “الرشيد” الى الاستراحة في اي محل يصادفه.. لا على التعيين، وأصحاب المحل يجرون مساجا للـ (Ankle) الملتوية، يضمدونها، ويعرضون عليه التوجه معه الى طبيب على نفقتهم، وإن رفض يؤجرون له (تكسي) وعندما يصل الى البيت ويهم بدفع الأجرة، يفاجئه السائق بأن (الجماعة) دفعوا، من دون أن يشعروه؛ كي لا يمانع؛ كما لو أنه جزء من مسؤوليتهم، وبالفعل شهامة العراقيين؛ تجعلهم يتبنون قضايا بعضهم، كما لو أن الكل مسؤول من الكل.. بشهامة وليس تدينا يطبقون حديث الرسول.. عليه وآله الصلاة والسلام: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” وهو نوع من التقرب الى الله درجات؛ فالكرم شجاعة وخدمة الناس جهاد في سبيل ترصين بنية المجتمع.. يحبه الله والانبياء والتقاة جميعا.