18 ديسمبر، 2024 7:04 م

-1-
اذا كان من الصحيح القول :

إنّ الانتهازيين الممالئين للطغاة والمنحرفين من الحكّام، موجودون في كل زمان ومكان ،

فانّ من الصحيح أيضا القول :

إنّ الأبطال من أحرار الرجال اصحاب الحوارات الساخنة مع الفراعنة والجبابرة موجودون أيضاً في كل زمان ومكان …

وشتان بين الفريقيْن .

-2-

نعم انّ الكفتين غير متعادلتين في الميزان ، بمعنى أنّ كفة المتملقين النفعيين هي الراجحة – وللاسف الشديد –

ولقد كشف الامام الحسين (عليه السلام) عن قانون اجتماعي خطير يوم قال :

{ الناس عبيد الدنيا والدين لَعْقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّتْ معائشهم فاذا مُحِّصُوا بالبلاء قَلَّ الديّانون }

-3-

وكاتبُ السطور مشغوف بتتبع المواقف الناصعة عبر تاريخ أمتنا ، ويرى أنَّ تسليط الأضواء عليها ، والتذكير بها يرفعُ من منسوب محاكاتها عند الأحرار من ابناء هذا الجيل .

ومن وسائل التربية – كما هو معلوم- التربية بالقدوة ، وبالقصة وبالموعظة ..

-4-

اذا كان الساكتُ عن الحق شيطاناً أخرسَ ، فانّ الناطق بالحقّ انسانٌ واعٍ جديرٌ بكل ألوان التقدير والأعجاب .

ومن هنا حرص التاريخ على أنْ يُخلّد هذه الصفوة المباركة من عشّاق الحق والناطقين به ، عبر تدوين مواقفهم وكلماتهم …

-5-

وها نحن الآن ننقل للقارئ هذا الخبر المثير الذي أورده (ابن قتيبة) في كتابه عيون الأخبار ج2 ص212 حيث قال :

” خطب الحجاج فشكا سوءَ طاعةِ أهل العراق ،

فقال جامع المحاربيّ

أما إنهم لو أحبوكَ لأطاعوكَ ،

على أنهم ما شنئوكَ لِنَسَبِكَ ،

ولا لبلدِكَ ،

ولا لذاتِ نفسِكَ ،

فَدَع ما يُباعدهم منك الى ما يُقرّبُهم اليك ،

والتمس العافية فيمن دُونكَ ، تُعْطها ممن فوقك ،

وليكن إيقاعُكَ بعد وعيدكَ ،

ووعيدُك بعد وَعْدِكَ

فقال الحجّاج :

والله ما أُراني أردّ بني اللَّكيعة الى طاعتي الاّ بالسيف

فقال :

ايها الأمير :

إنّ السيف اذا لاقى السيف ذهب الخيار

قال الحجاج :

الخيار يومئذ لله

قال :

أجل ! ولكنك لا تدري لمن يجعله الله ، فقال :

يا هناه ، إنَّك من محارب ، فقال جامع :

وللحرب سُمِيّنا وكنّا مُحارباً

اذا ما القنا أمسى من الطعن أحمرا

فقال الحجّاج :

والله لقد هممتُ أن أخلع لسانّك فاضرب به وجهكَ ،

فقال له :

يا حجّاج :

إنْ صدقناكَ أغضبناكَ ،

وان كذبناكَ أغضَبْنا الله ، فغضبُ الأمير أهونُ علينا من غضب الله “

أرأيت كيف يستخدم الطغاة السيف لارهاب الناس واخضاعهم ؟!

انّ القوة المصطنعة لن تصمد أمام انتفاضات الأحرار واصرارهم على تهشيم القيود والأغلال وتكسير الأصنام …

إنّ الطغاة لن يروق لهم الإصغاء الى قوله الحق ،

ومن هنا هَمَّ الحجّاج بايقاع أفدح العقوبات بالحُرّ الذي تحدّاه غير هيّاب ولا وَجِل …

إنّ الحجّاج أرجع الجرأة التي تحلّى بها ” جامع المحاربي ” الى عشيرته..!!

وهو تعليل يُقنع به نفسّه التي هَزَمَها المنطق الصائب الجرئ …

أما العلة الحقيقية التي أنطقت ( المحاربي ) فهي أنه خشي غضبَ الله عليه إنْ هو استساغ الكذب والنفاق وساير الطاغية ..!!

إنَّ الوازع الديني هو أكبر الحصانات التي تحول بين الانسان وبين الانحدار الى المباءات الأخلاقية والاجتماعية والسياسية …

[email protected]