23 ديسمبر، 2024 8:55 ص

لن يستقيلوا ولو احترق العراق وأهله

لن يستقيلوا ولو احترق العراق وأهله

تلتهب اجواء الوطن بمواقد الخراب، وينتشر الدمار في أزقة المدن، وتمتلأ القلوب بمواكب الحزن، ويتلذذ المجرمون بمناظر القتل، وتسكب الأمهات شلالات الدموع وراء النعوش المغلفة بأحزان العراق، ويسير الآباء بخطى مثقلة بالفاجعة وراء الجنائز التي تحمل ارواح الابناء الابرياء، تلك الارواح التي تعرِج إلى السماء وهي تشكوا قسوة القتلة وتقصير الحاكم في اداء واجبه وانشغاله عن حمايتهم بالسلطة واسباب الاحتفاظ بها غير آبه بأرواح المساكين من هذا الشعب المبتلى، ناسياً بل متناسياً كل اساليب التحضر والرقي الإنساني وفي مقدمتها ثقافة الإستقالة، هذه الثقافة التي تميزت بها الشعوب المتنورة والتي تنظر للمواطن كقيمة إنسانية عُليا كرمته السماء وجعلته وريثاً في هذه الارض، فعندما تتعرض تلك الدول الى حوادث اقل بكثير مما يتعرض له العراق ينبري المسؤول فيها على استحياء ويعلن بكل شجاعة وصراحة بانه المقصر في حماية ارواح الناس، ويقدم استقالته من منصبه لشعوره بالذنب والعجز عن اداء دوره الوظيفي في توفير اجواء امنية مناسبة لشعبه، اما في العراق فان المسؤول يتمسك بالمنصب بطريقة مخجلة لا تتناسب مع حجم الكارثة التي يتعرض لها الشعب العراقي، فلا يكاد يمر يوم الا وحصدت آلة الارهاب والتكفير الاعمى المدعوم من قبل زمر البعث والقاعدة ارواح الابرياء الذين لاذنب لهم سوى انهم ينتمون لهذه الارض ويتمسكون بنهج أهل البيت عليهم السلام، وبالرغم من حجم التضحيات التي ينزفها هذا الشعب يومياً فانه وللأسف الشديد لم نجد مسؤولاً على الاطلاق يحمل ثقافة الاستقالة وشجاعة ترك المنصب والسلطة، لأنهم أعتادوا على العيش خلف الاسوار المُحكمة وفي المكاتب الفخمة وفي المناطق المتعددة الالوان تارة خضراء وتارة حمراء وغيرها من الالوان التي تتناسب مع مزاجية المسؤول حتى يستطيع ان يحافظ على استقراره النفسي، وكأن البلد مرتبط بحالة المسؤول النفسية وان اي هزة نفسية للمسؤول ستؤدي الى أهتزاز العراق من اقصاه الى اقصاه. كم هو معيب ان يحترق البلد عشرات المرات ولانسمع خبر استقالة او إقالة مسؤول واحد، وكم هو مخجل ان تختفي ابواق السلطة وتلتزم الصمت امام انين وعويل الامهات المفجوعات بفقدهن فلذات اكبادهن. متى يستيقظ الضمير الإنساني لدى الحكام والمسؤولين ومتى يدركون إن العراق اكبر من اسماءهم ومناصبهم وخطاباتهم الفارغة، متى يستمعون لصوت العُقلاء وينتصر مفهوم الحوار على جعجعة السلاح، متى يعترفون بفشلهم في إدارة الدولة بسبب عقلية التحزب والابتعاد كثيراً عن الشركاء في الوطن، متى تنتهي نغمة الحاكم في كيل التهم للآخرين لكي يتملص من المسؤولية، ومتى يتخلص الحاكم من هذه الإزدواجية المفضوحة في تعامله مع الاحداث، حيث يُحرِم على الآخرين مايحل له! فبالأمس يستهجن الطاقم الحزبي لدولة رئيس الوزراء والمصفقين له خطوات سماحة السيد مقتدى الصدر (أعزه الله) عندما صلى مع الاخوة السنة في جامع الكيلاني واعتبروه يعمل بالضد من مصالح الشيعة والمذهب واليوم يهرولون لأداء الصلاة ويعتبرونها طوق النجاة ولانعلم مالفرق بين الامس واليوم؟! لقد سبق التيار الصدري الجميع في مشروعه الوطني ولم يتخل عن هذا المشروع رغم الحملة التسقيطية التي تعرض لها نتيجة مواقفه الوطنية والمبدأية. إن العراق اليوم بحاجة إلى وقفة جادة من قبل الجميع تنتشلهُ من شبح التمزق والانقسام، وعلى الشعب أن يعي حجم المخاطر المحدقة به وينظر بعين الإنصاف إلى جميع المواقف والمبادرات ويميز بين الصالح والطالح من السياسيين، فمنهم من يضحي من أجل العراق ومنهم من يردد قول الشاعر ( إذا مت ضمآناً فلا نزل القطر).