لن أكون ورقة صفراء, مضى شبابها, فشاخت واصفرت, تنتظر الريح لتسقطها عن مكانها, لتكون نسيا منسيا, ربما تسحقها الأقدام, ربما تكون فرشا لبيضة طائر في عش قريب, أو تسحبها نملة لتكون طعاما اثناء الشتاء الطويل , ياسادة يا كرام أنا وهذه الورقة نتشارك بامور قد لا يصدقها البعض, وقد يضحك منها البعض, ربما يقول أخر: أي جنون هذا؟ وأي هراء, ربما هناك من سيصدقني إذا أكملنا القصة معا.
تقول الورقة: ولدت مع أمي, شققنا الأرض, وتفتحت لأكون الورقة الأولى, كنت أغطي أمي, أستقبل اشعة الشمس, فاخزنها في داخلي, وأحولها الى غذاء إرسله لأمي, كنت أراقبها وهي تكبر, وترتفع ويزداد عدد أخواتي, كنت أنظر اليهم الجميع يعلون فوقي, لا يهم فلازلت خضراء, استقبل شمس الحرية, لاعجنها بأحاسيس حبي وارسلها لأمي, ربما الجميع يفعل ذلك, لكنهم لن يصلوا الى ما أنا عليه من نكران الذات.
صحوت يوما, فلم أشعر بدفء الشمس, فظننت أنها بخلت بأشعتها, لكنها الغيوم حجبت أشعة ملهمتي, وكانت ريح باردة, تضرب بشدة لتفصل اخواتي عن أمي, يتطايرن, يتبعثرن, بعض يلتهمه حيوان جائع, وبعض يأخذه الطير, أخريات ساقتهن الرياح وكأنهن اسارى لا حول لهن امام الطغاة ولا قوة, لكني تمسكت وناديت أمي: لن اتركك, لن أشيخ, لن أكون ورقة صفراء, تذروها الرياح, فأنا لا يأس عندي, لأني لا أعرف الهزيمة .
أنا القوة, أنا الصبر, أنا ورقة الأمل لن أسقط واترك أمي, وإن سقطت فلن أمضي كما تهوى الريح, فروحي سترتفع إلى العلا كطائر الفنيق الذي لا يموت, بل ينهض من بين الركام, ليحيى حياة جديدة, وجسمي سيحتضن الأرض, ويندمج معها وبين طيات عمره بذرة اغذيها بنفسي لترتفع وتكون أما جديدة وسأولد معها, وستتكرر حياتي, ولادة, عمل, إنتاج, تمسك بالأصل, ولا موت إلا عن قناعة بان هناك حياة قادمة .
أنا ما بين ولادة وإيمان وتمسك بالمبدأ, لن اكون ورقة صفراء, بل صبر ومصابرة ومرابطة من أجل مشروعي, ولن أرحل الا ودولة العدل قد رفعت اسسها , فإن مت فقد غرست بذرة ستشق الصخر, وتتحدى الصعاب, لتكمل البناء