22 ديسمبر، 2024 8:23 م

لنطلق نضالنا من أجل الدولة العلمانية الديمقراطية

لنطلق نضالنا من أجل الدولة العلمانية الديمقراطية

الديمقراطية الحقيقية نظاما الدولة، العلمانية في تحديد العلاقة بين الدين من جهة وكل من الدولة والسياسة من جهة أخرى، الليبرالية فيما هي الحريات الخاصة والعامة، العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة نهجا للاقتصاد، كما نريد لدولتنا العلمانية الديمقراطية أن تكون اتحادية وبرلمانية وليست مركزية ورئاسية، لأن الفيدرالية والنظام البرلماني أقرب إلى روح الديمقراطية.

كعلمانيين ديمقراطيين ندافع عن حرية الاعتقاد وحرية التدين لأتباع كل دين، سواء كان دين الأكثرية أو أديان الأقليات. كما ندافع عن حرية عدم الإيمان وعدم التدين وحرية التخلي عن أي دين أو التحول من دين إلى آخر.

الدين عندنا شأن شخصي، الالتزام الديني شأن شخصي، عدم الإيمان بأي دين شأن شخصي، الإيمان مع عدم الالتزام شأن شخصي، الإيمان اللاديني شأن شخصي، الإلحاد شأن شخصي، اللاأدرية شأن شخصي. الدولة العلمانية الديمقراطية تحمي أتباع أي من القناعات والتوجهات آنفة الذكر وغيرها، مما يعد كل منها شأنا شخصيا، وتدافع عن حرية كل أولئك كمواطنين يتمتعون بحقوق المواطنة المتساوية، ولا تسمح لإقحام أي من تلك القناعات في شؤون السياسة وشؤون الدولة.

المؤمن والمتدين في الدولة العلمانية الديمقراطية يحق له مزاولة العمل السياسي، ويحق له أن يكون في السلطة التنفيذية والتشريعية، ولا يحق لأحد بحجة العلمانية الحيلولة بينه وبين مزاولة حقه في ذلك. لكن إيمانه وتدينه يبقيان يمثلان شأنه الشخصي، ولا يجوز له إقحامهما في عمله وخطابه السياسيين.

بل رجل الدين يحق له في الدولة العلمانية أن يتبوأ أي موقع مسؤولية سياسية في الدولة، سواء في السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية، أو في نشاطه الحزبي، لكنه عند تبوؤ مسؤولية سياسية ما عليه أن يتخلى عن دوره كرجل دين، سواء من حيث المظهر والملبس، أو من حيث الممارسة، كالإفتاء والوعظ الديني وإمامة صلاة الجمعة والجماعة، فهذا كله يحق له أن يمارسه كرجل دين، لكن يجب أن يتخلى عنه، عندما يريد أن يكون رجل سياسة.

وحق مزاولة كل ما ذكر من نشاط سياسي وتبوؤ المواقع في إحدى السلطات الثلاث يتمتع به المسلم، شيعيا كان أو سنيا، والمسيحي والإيزيدي والمندائي والبهائي والزرادشتي واليهودي، كما الملحد والمتخلي عن دينه حتى لو كان دين الأكثرية، والمؤمن اللاديني، واللاأدري، لكن يبقى إيمان المؤمنين بأي من الأديان التي ذكرت، وإلحاد الملحدين، ولادينية اللادينيين، ولاأدرية اللاأدريين، يبقى كل ذلك شأنا شخصيا محضا، لا يحشر في الشأن السياسي.

من هنا أرفض قول البعض إن العلمانية هي الفصل بين الدين والدولة، دون الفصل بين الدين والسياسة، والعلمانية ليس الفصل بين الدين والسياسة وحسب، بل تعني عندي الفصل بين الإلحاد والسياسة، وبين كل موقف ذي علاقة بالقضايا الميافيزيقية، إيجابا أو سلبا، أي إيمانا أو عدم إيمان، مما يُعَدُّ كله شأنا شخصيا محضا، وبين السياسة وشؤون الدولة.

في الدولة العلمانية الديمقراطية لا تحاصص في السياسة ومؤسسات الدولة، ولا تمييز في حقوق المواطنة، ولا ذكر للدين ناهيك عن المذهب في البطاقة الشخصية.

وفي الدولة العلمانية الديمقراطية ليست هناك أحزاب للدين المُسَيَّس، ولا أحزاب شيعية أو أحزاب سنية، بل أحزاب سياسية عابرة للدين والطائفة والقومية، إذا تختلف فتختلف في أولويات البرنامج السياسي لكل منها، فيما يقدر كل حزب ما هو أهم وأكثر تحقيقا لمصلحة الشعب، وما يجب أن يتقدم زمنيا على غيره من الأهداف.

في الدولة العلمانية لا يحشر الدين في السياسة، لكنه لا يحشر أيضا في الثقافة، والفن، والرياضة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، وقبل كل شيء لا يحشر في القضاء، ولا في المفوضيات المستقلة، وغيرها مما يعد خدمات عامة تتوجه رعايتها للمواطن كمواطن.

في الدولة العلمانية الديمقراطية تربي مدارسنا أطفالنا على الأخلاق وتنمي عندهم النزعة الإنسانية، كما تنمي عندهم العقلانية. أما الدين فليس من مهام التربية والتعليم، بل هو شأن الأسرة التي تريد تربية بناتها وأبنائها تربية دينية، ومن شأن أماكن العبادة، والدولة العلمانية الديمقراطية تحمي الأطفال من الإكراه الديني من قبل أسرهم، كما تحميهم من العنف الأسري، والمربي والمعلم الذي يمارس العنف ضد تلاميذه يمنع من مزاولة عمله الپيداڠوڠي، وهكذا عندما يزاول المعلم أو المعلمة التمييز بين التلميذات والتلاميذ بسبب الدين أو المذهب أو القومية أو العشيرة أو الطبقة، أو يحشر قناعاته الدينية والمذهبية والسياسية في عمله التربوي.

ولتقريب الفكرة أقول إننا عندما نختار الطبيب الذي نثق بكفاءته، لا ننظر إلى دينه ومذهبه وعقيدته، بل إلى كفاءته، وهكذا هو الحال مع المهندس المعماري، ومع غيرهما من أهل الاختصاصات المختلفة. ولذا يجب أن يكون هكذا هو الأمر مع السياسي، فلو أمكن لكان الأفضل ألا نتعرف على دين ومذهب وقومية ومنحدر السياسي، بل ننظر فقط إلى فكره السياسي، إلى برنامجه السياسي، إلى انتمائه السياسي، كما ننظر قبل كل ذلك إلى نزاهته وكفاءته، مقدمين النزاهة دون التفريط بالكفاءة.

كعلمانيين ديمقراطيين ربما لا نتطلع إلى تحقيق مشروعنا العلماني في انتخابات 2018، ولا 2022، أو 2026، وقد لا نحققها إلا في الدورة الانتخابية لعام 2042. لكن يجب إطلاق نضالنا الآن وليس غدا، وعلينا أن نبذل أقصى ما في وسعنا لنحقق في الانتخابات القادمة خطوة نوعية مهمة، أكثر مما هي خطوة كمية، على طريق تحقيق الأهداف، قصر الطريق كما نتمنى ونسعى، أو طال كما أتوقع وأخشى.

ولا يمكن أن تتحقق الدولة العلمانية الديمقراطية بقرار فوقي نخبوي، بل بإرادة جماهيرية، والإرادة لا تكون إلا بالعمل على نشر وتجذير قيم ومبادئ العلمانية والديمقراطية والمواطنة والليبرالية والعدالة الاجتماعية والنزاهة.

يجب أن نتخلى عن خوفنا من طرح العلمانية بسبب ما أحاطها الإسلاميون واللاديمقراطيون أو غير العارفين من شبهات، كونها مساوقة للكفر والإلحاد، كما أحاطوا الليبرالية بشبهة مساوقتها للإباحية.

العلمانية التي ندعو لها ليست كافرة، وعندما نقول ليست كافرة لا يعني أنها مؤمنة، فالعلمانية مقترنة بالديمقراطية هي من صفات الدولة، دولة المواطنة العادلة التي نتطلع إليها، وليست هناك دولة مؤمنة ودولة كافرة، تماما كما نقول ليس هناك طِبٌّ مؤمن وطِبٌّ كافر، أو هندسة مؤمنة وهندسة كافرة، أو فيزياء مؤمنة وفيزياء كافرة، كما ليس هناك اقتصاد مؤمن واقتصاد كافر، إنما هناك دولة متقدمة ودولة متأخرة، دولة ديمقراطية ودولة ديكتاتورية، وهناك طب متطور وطب بدائي متأخر، وهندسة متقنة ومبدعة وأخرى غير متقنة، واقتصاد تنموي ومنتج وعادل واقتصاد ريعي واستهلاكي وغير عادل.

مؤتمر تحالف القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) أملنا فيه أن يكون خطوة صحيحة بهذا الاتجاه، ولو إني كنت أتمنى أن يؤكد أكثر مما حصل على العلمانية، مع مزاولة توعية تثقيفية جماهيرية لتصحيح المفاهيم السياسية، بما في ذلك مفهوم العلمانية وحتى مفهوم الديمقراطية؛ هذه الحملة التوعية والتثقيفية كان ينبغي أن تنطلق قبل عشر سنوات، ومع هذا فالبدء بها مُتَأَخرا خير من عدم البدء كليا.

أما (المدنية) غدت موجة بدأ يركبها حتى الإسلاميون، كما توقعت ذلك منذ سنوات طويلة. ومع هذا لا أريد أن أجعل من المصطلح مشكلة أساسية، فإذا عُبِّرَ بالمدنية عن مضامين العلمانية، فهذا خير من لا شيء، وقد يمثل خطوة على خط النضال الطويل من أجل الدولة الديمقراطية الاتحادية العلمانية الليبرالية الاجتماعية.