في الأعراف والعادات الدينية وليست الأسلامية فحسب بل وحتى في المسيحية وباقي الأديان الأخرى، أنه وعندما يموت الشخص يقام له العزاء (مجلس الفاتحة) ولمدة ثلاثة أيام وينصب له السرادق أو (الجادر) وفي آحايين كثيرة يقام العزاء في المساجد والجوامع والحسينيات والكنائس عند الأخوة المسيحيين حيث يقام القداس. ومعها تكتب اللافتات السود التي تنعي المتوفي وتعلق قرب مكان العزاء، وفي آحايين كثيرة تعلق اللافتات السود في أماكن رئيسية من المدينة عند مداخلها أو ساحاتها المعروفة وحسب مكانة المتوفي أجتماعيا أن كان من ذوي الوجاهة الأجتماعية والوجوه المعروفة في المدينة حيث يتباهى العراقييون بذلك!، وكلما علقوا اللافتات السود في أكثر من مكان كلما أعطت الهيبة لذوي المتوفي!، ولو أنهم يعرفون تماما! بأن الوفاة هي المحطة الأخيرة والنهائية للأنسان والتي يتساوى بها الجميع أن كانوا فقراء أم أغنياء، أو ذو وجاهة أجتماعية أم أناس بسطاء. الملاحظ أنه وبعد أنتهاء مراسم العزاء والفاتحة تبقى هذه اللافتات السود معلقة لأيام وأسابيع وأشهر، وفي آحايين كثيرة تبقى معلقة حتى بعد مرور عام وأكثر على الوفاة!! .ولم يعد خافيا على العالم أجمع كم أخذ الموت من أرواح العراقيين منذ الحرب العراقية الأيرانية، ومن ثم أعقبتها حرب الكويت، مرورا بالحصار الأقتصادي الذي أذاق العراقيين موتا من نوع جديد! هو الموت بسبب قلة الدواء وعدم وجوده وبسبب الجوع! بعدما أصاب العراقيين الضعف والهزال بسبب قلة ورداءة الطعام وشحة الدواء. حتى أن العراقيين باتوا يعلقون على ذلك بأن عزرائيل قد ترك العالم كله وسكن العراق!. ولم تنتهي فصول مسرحية الموت العراقية بل جاءت بالأسوأ والأفضع بعد سقوط النظام السابق بأشتعال الحرب الأهلية والطائفية والتي أنست العراقيين كل صولات وجولات الموت والدمار التي مرت عليهم عندما صار يذبح الطفل الرضيع ويمثل بالشيخ الكبير والمرأة العجوز بسبب الأنتماءات الطائفية!. حتى صار الموت ومنظره البشع أمرا طبيعيا لدى العراقيين! بل أن العراقيين وأثناء حدة وشدة الأقتتال الطائفي في عام 2006 صاروا يحسدون من يتوفى بشكل طبيعي ويحضره الموت وهو بين أهله وذوويه!،أو من يعثر على جثته في أحد المزابل والطرق البعيدة مقتولا دون تعذيب أو تشويه وقطع الرأس أو باقي أعضاء الجسم!.لأن الكثير ممن قتلوا بسبب التناحرات الطائفية دفنوا في مقابر جماعية أو تم رميهم في الأنهار وضاعت جثثهم نهائيا ولحد الان!. ويبدوا أن تسونامي الموت الذي أجتاح العراق منذ ثمانينات القرن الماضي لا يراد له ان يتوقف! فجاءت صفحة داعش الدموية حيث يعتبر كل انواع الموت الذي مر بالعراق نزهة! بالنسبة لهذه الصفحة الدموية الرهيبة المرعبة التي بدأت فصولها منذ 3 سنوات ولم تنتهي بعد حيث تفنن مجرمي داعش بالطريقة والكيفية التي يقتلون بها العراقيين؟!. كل هذه الأحداث والمصائب بقدر ما أسكنت الخوف والحزن والألم في قلوب العراقيين فأنها بنفس الوقت نشرت صورة من مناظر السواد على عموم العاصمة وباقي المحافظات الأخرى، حيث أنك ترى اللافتات معلقة في الساحات والمقتربات والشوارع والمناطق والأزقة. وزادها في ذلك اللافتات السود الكبيرة التي تحي ذكرى وفاة أئمتنا الأطهار (ع) على مدار السنة، حتى صار العراق بلاد السواد الأعظم ليس لكثرة نخيله وتنوع زراعته!، بل لكثرة أحزانه ولافتاته السود. الملفت للأنتباه أن الكثير من هذه اللافتات السود التي تنعي المتوفين مضى عليها فترة أكثرمن سنة حتى أصابها التلف وتمزقت وضاعت كل معالم الكتابة عليها بما فيها أسم الله عز وعلا!. من الطبيعي أن مثل هذه اللافتات والمناظر السود زادت من حالة الدمار النفسي لدى العراقيين وصارت بعض مناطق بغداد عندما تمر بها تشعر وكأنك تمر في مقبرة بلا قبور من كثرة تلك اللافتات السود!. الذي نريد أن نقوله أن الحي أبقى من الميت ويجب أن نتطلع الى الحياة بشيء من الأمل ونعرف كيف نصنع الفرح. ونسئل هنا لماذا لا يصار الى رفع مثل هذه اللافتات السود بعد انتهاء مراسيم الفاتحة والعزاء وحتى بعد أنتهاء المناسبات الدينية الحسينية تحديدا وليكن بعد أسبوعين وحتى شهر على اكثر تقدير. وهنا لابد من الأشارة وكلامي هذا هو دعوة لكل العوائل العراقية أن ترفع عنها مظاهر الحزن هذه وليبقى الحزن في القلب والزمن كفيل بالنسيان لا سيما أن من نعم الله الكثيرة على الأنسان هو نعمة النسيان. كما هي أيضا دعوة لأمينة بغداد وللمحافظ ان يصدروا أوامرهم برفع كل هذه اللافتات السود القديمة التي تغطي الكثير من ساحات بغداد ومناطقها والتي علقت حتى على اسيجة المتنزهات والمشاتل . والشيء المحزن أن كل هذه اللافتات تحمل أسم الله عز وعلا وأيات من القرأن الكريم، كما أن لافتات المناسبات الحسينية تحمل صور الأئمة الأطهار وأقوالهم عليهم جميعا أفضل السلام، وهذه اللافتات وكما أشرنا اليها في بداية مقالنا نتيجة طول بقائها لأكثر من سنة وتعرضها لحر الصيف الشديد وللأمطار في الشتاء ناهيك عن الأتربة والغبار الذي صار جزء من طقس العراق تمزقت وضاعت معالم الكتابة وتشوهت معالم وصور الأئمة المرسومة فيها!! وصارت على الأرض وبين الأوحال وديست تحت الأقدام، فهل يجوز ويعقل أن يكون أسم الله عز وعلا في الأرض بين الأوساخ والأتربة؟ ونفس الشيء بالنسبة لصور الأئمة الأطهار عليهم أفضل السلام مرمية في الأرض أمام أنظار الجميع ويدوسونها في سيرهم من حيث لا ينتبهون؟. نعود للقول بقدر ماهي دعوة ورجاء لرفع هذه اللافتات، بقدر ما هي أمنية لكي نرفع شيء من الحزن عن بغداد ونتفائل بالخير القادم أن شاء الله، وليبعد الله الحزن عن العراق واهله. وكفانا شعار (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء) الذي نرفعه منذ 1400 سنة ولحد الآن!.