(لا احد كان يتصور أن تتحول شبه الجزيرة العربية بعزلتها وبَدواتها إلى منطلق لديانة سيطرت على ثلثي العالم القديم…)، هكذا يقول “ول ديوراينت” صاحب موسوعة قصة الحضارة….،
نعم انه نبي الرحمة الذي تسامى عن الأعراف والموروث الفكري السائد والمسيطر على صحراء مقفرة ومجتمع منغمس بالتخلف والجهل والشرك وعبادة أصنام صنعها بيده…
الانعطافة الكبرى التي قادها محمد والتي أعادت رسم خارطة وحاضر ومستقبل امة، برسالته السمحاء التي أثْرَت البشرية بعطائها الفكري والإنساني، لم تكن لتكون إلا على يد محمد صاحب الروح السامية والخلق العظيم الذي شهد به الرب العظيم وكفى به شهيدا، كان يتيما لا يمتلك السلطة ولا الأموال ولا الإعلام ولا السلاح ولا المليشيات، كل ما في جعبته روحه السامية وخلقه العظيم وفكره النير وظفها لخدمة القيم العليا والرسالة السمحاء، والى فيها الأبعدين، وعادى من اجلها الأقربين، جاء برسالة لا تختزل عدالتها وسماحتها ورحمتها بقوم دون آخرين، لأنها رحمة للعالمين للناس أجمعين، محمد لم يُلغِ برسالته الآخرين، ولم يغتصب حقوقهم، ولم يمنعهم من حرية الفكر والمعتقد، محمد لم يولد ولم يبعث لكي يتسلط على الناس أو يقرب هذا، ويهمش أو يقمع ذاك،
محمد لم يجلس في القصور المشيدة ولم ينكفئ عن الناس، بل كان من البساطة والتواضع جعل من البعض أن يجهلوا أن هذا هو نبي السلام، كان يربط الشاة ويمشي بالأسواق ويأكل الطعام ويخالط الناس ويسبقهم بالسلام صغارً أو كبارً….
ولادة محمد هي ولادة القيم والمثل الإنسانية والفكر والحرية الرحمة والسلام والتعايش السلمي والمواخاة ….ولادة محمد ولادة التغيير نحو الكمال والرقي ….، ولادة: ( الناس صنفان إما ا خ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، ولادة الرفض لكل جهل وقبح وظلام وظلم وفساد وقمع وتطرف وتكفير وطائفية وعنف…..
هكذا يجب أن نفهم ونعيش ونترجم ولادة النبي وهكذا ينبغي أن نحتفل بذكراها العطرة….. وإلا فلا قيمة لأي مظهر من مظاهر الزينة ومحافل الولادة وإلقاء الأناشيد والخطب والمديح والثناء…..دون أن نترجم سيرة وخلق وقيم محمد ودين محمد دين السلام والوئام والتعايش السلمي….
ترى ما هو الظن بمحمد، هل يرضى أن يُحتَفَل بولادته.. والمسلمون يكفر بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا ويغتصب بعضهم حقوق بعضا….. وهل يرضى أن يُحتَفَل بولادته.. والشعوب بمختلف انتماءاتها تعاني من خطر الإرهاب الذي تلبس بلباس دين محمد وهو من براء…. وهل يرضى أن يُحتَفَل بولادته.. والأبرياء بين مقصلة التكفير المنتحل للتسنن وذاك المنتحل للتشيع….. وهل يرضى أن يُحتَفَل بولادته..والعراق أسير جريح مختطف، بين مخالب دول الاحتلال، وساحة صراع المحاور، وعلى رأسها المحتل الأخطر الأشرس إيران ومليشياتها القذرة… وهل يرضى أن يُحتَفَل بولادته..والفاسدون السارقون ومراجع الكهنوت هم المتسلطون على مقدرات العراق وشعبه…. وهل يرضى أن يُحتَفَل بولادته..وفي العراق أكثر من ثلاثة ملايين نازح ومهجر… وملايين الفقراء والمحرومين ومئات الآلاف من المعتقلين الأبرياء…. وهل يرضى أن يُحتَفَل بولادته..وفي العراق تُذبح الحريات…، وتُسحق الكرامات، وتنتهك الأعراض، وتُندس المقدسات، وتُسرق الأموال، وتُنهب الخيرات، وتحطم الآثار لمحو حضارة العراق، وتُفجر الكنائس والمساجد والديار والمدارس وتُقتل الكفاءات وتُنتهك الحدود والسيادة….. وهل يرضى أن يُحتَفَل بولادته ، و……
ختاما لنجعل من ولادة محمد ولادة التغيير الحقيقي الجذري، ولادة الصلاح والإصلاح الصادق… ولادة الفكر والسلام والتعايس السلمي وحرية الرأي والفكر والمعتقد …ولادة الرحمة والتراحم والألفة والمواخاة والعدالة…ولادة القيم والمثل التي ضحى من اجلها محمد….
وما أروع وما أبلغ ما دعا إليه المرجع العراقي الصرخي في خطابه الذي كان مما جاء فيه ما ياتي:
((ولنكتب الشعر وننشد ونهتف ونرسم وننقش …..
للنبي الكريم وحبه وعشقه الإلهي الأبدي ……
لنستنكر العنف والإرهاب وكل ضلال وانحراف ولنوقف ونمنع وندفع وننهي الإرهاب الأكبر المتمثل بالفساد المالي والإداري والفكري والأخلاقي وكل فساد….. لنستنكر كل تطرف تكفيري وكل منهج صهيوني عنصري وكل احتلال ضّال ظلامي….. بالالتزام بالأخلاق الإلهية الرسالية وتوحيد القلوب والأفكار ومواصلة الإخوان مع عفوٍ ومسامحةٍ بصدقٍ وإخلاصٍ ….. نعم للوحدة الحقيقية الصادقة الفاعلة …..))