يبدو ان وسائل الاعلام في العالم خلال العقدين الاخرين تجارية موجهة للسوق اكثر من اي وقت مضى وادت المنافسة الى تراجع المعايير المهنية والحرفية . فيما دخلت بعضها في لعبة السياسة وتناست رسالتها التنويرية في ايصال الحقائق للرأي العام ، وبالتالي اصبحت اداة سياسية وليست اعلامية مما جعلها في دائرة الاتهام والانحياز لهذا الطرف او ذاك وتحميلها المسؤولية عند نشوء الازمات السياسية . والمتابع ان الساسة استخدموا اساليب التضليل والترغيب في جر بعض وسائل الاعلام الى فلكهم الدائر فكانت النتيجة تكيف الاعلام معها وتنفيذ اجنداتها ، واضحت وسائل الاعلام كـ (مثل الحمار يحمل اسفارا ) . ولو اجرينا مقارنة ميدانية بين الاعلام والسياسة لوجدنا ان السياسة اضعف قدرة وامكانية بالرغم من امتلاكها الاداة الرئيسة وهو المال ، فضلاً عن التلون والمراوغة والمصلحة للتأثير على الرأي العام ، وبقي الاعلام العراقي حاسر الرأس تتجه بوصلته حيثما رأس المال لتأمين نشاطاته وفعالياته ، والسياسة هي من تدفع المال مما انغمست معظم وسائل الاعلام في هذه الشراكة غير النظيفة . والاعلام عولمة جديدة لم نألفها ومرحلة من مراحل تطور الحضارة الانسانية ، والسياسة مكائد وغدر ومصالح ، الاعلام وسيلة حضارية متطورة ومتجددة ، والسياسة اداة قديمة يمارسها السلاطين والحكام للسيطرة على البلاد والعباد ، الاعلام ثقافة عالمية لتنوع مصادره ، والسياسة حرفة مصدرها ومنبعها واحد ولكن اتباعها كثيرون و متلونون . امام هذا الفرق بينهما نجد تفوق السياسة بالاموال التي تمتلكها والسطوة التي تحملها ، اذاً كيف يستطيع الاعلام العراقي تحصين مؤوسساته منها ؟ . نعتقد ان الاعلام لا يكون في مأمن من السياسة طالما بحاجته الى المال لتغطية نشاطاته وفعالياته ، وهذا لا يعني عدم وجود وسائل اعلام مستقلة. ان اشتراك وسائل الاعلام في اللعبة السياسية القذرة يجعلها داعمة لاي تطرف أو تشدد يُفرض عليها ، وهذا هو تفسير من يدعو للتشدد والتطرف باعتلاء منابرها والتحدث بما يحلو له وهي خانعة وساكتة وبالتالي اشتركت معه في الجريمة .نعتقد ان تحصين وسائل الاعلام من الوقوع في دائرة التطرف والتشدد مرهون بعوامل عديدة اهمها اصدار التشريعات المنظمة لوسائل الاعلام اضافة الى الضمانات الدستورية التي تمكنها من تحقيق استقلاليتها وتطوير مهنيتها وحرفيتها ، فضلاً عن تأمين الاموال اللازمة لتنفيذ نشاطاتها وفضح الساسة الذين يسخرون الاعلام لاجنداتهم ومصالحهم الشخصية والنفعية . وما نراه اليوم من اصطفاف بعض الساسة مع تنظيم القاعدة وانتقاداتهم للعمليات الجارية في صحراء الانبار دليل على ان الارهاب مدعوم من ساسة ووسائل اعلام مأجورة .