18 ديسمبر، 2024 5:50 م

هُنَاكَ مِنْ يَظُنُّ أَنَّ اَلرَّحْمَنَ تَعَالَى مَعَهُ فَيَمْشِي مَرِحٌ قَدْ تَنَاسَى مَا عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبَاتِ اِتِّجَاهِ اَلْمُجْتَمَعِ بِصُورَةٍ عَامَّةٍ غَيْرِ مُبَالٍ بِمَنْ يَذْكُرُهُ بِسُوءٍ مُعَلَّلٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اَلْحَسَدَ وَالْغَيْرَةَ هُوَ مَا يَدْفَعُ اَلْآخَرِينَ لِلْإِتْيَانِ بِسِيرَتِهِ وَذِكْرِهِ بِسُوءٍ . لِنَتَفَكَّرْ وَلَوْ لِلَحَظَات بِقَوْل اَلرَّحْمَنِ تَعَالَى وَاَلَّتِي يُنَبِّهُ اَلْمُخْطِئُ فِينَا عَلَى خَطَئِهِ وَاَلَّتِي تَمُرُّ عَبْرَ مَرَاحِلَ أَوَّلُهَا اَلْإِمْهَالُ وَيَتَجَسَّدُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَمَلِي لَهُمْ ؟ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٍ }سورة اَلْأَعْرَافِ
وَأَمَلِي لَهُمْ – أَيٌّ : أَمْهَلَهُمْ حَتَّى يَظُنُّوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْخَذُونَ وَلَا يُعَاقِبُونَ ، فَيَزْدَادُونَ كُفْرًا وَطُغْيَانًا ، وَشَرًّا إِلَى شَرِّهِمْ ، وَبِذَلِكَ تَزِيدُ عُقُوبَتَهُمْ ، وَيَتَضَاعَفَ عَذَابُهُمْ ، فَيَضُرُّونَ أَنْفُسُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ، وَلِهَذَا قَالَ : إِنَّ كَيْدِي مَتِينٍ – أَيْ : قُوَى بَلِيغٍ ثُمَّ تَأْتِي مَرْحَلَةَ اَلِاسْتِدْرَاجِ { سَنُسْتَدْرَجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } سورة اَلْأَعْرَافُ
وَالْمَعْنَى سَنُقَرَّبُهُمْ إِلَى مَا يُهْلِكُهُمْ ، وَيُضَاعِفَ عِقَابُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ مَا يُرَادُ بِهُمْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا أَتَوْا بِجُرْمِ أَوْ أَقْدَمُوا عَلَى ذَنْبِ فَتْحِ عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ اَلنِّعْمَةِ ، وَالْخَيْرُ فِي اَلدُّنْيَا ، فَيَزْدَادُونَ بَطَرًا وَانْهِمَاكًا فِي اَلْفَسَادِ وَتَمَادَيَا فِي اَلْغَيِّ ، وَيَتَدَرَّجُونَ فِي اَلْمَعَاصِي بِسَبَبِ تَرَادُفِ تِلْكَ اَلنِّعَمِ . ثُمَّ مَرْحَلَةُ تَزْيِينِ اَلْأَعْمَالِ اَلسَّيِّئَةِ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ اَلْأَنْفَالِ : – { وَإِذْ زَيْنْ لَهُمْ اَلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } وَهُنَا يَنْظُرُ اَلْإِنْسَانُ إِلَى أَفْعَالِهِ اَلسَّيِّئَةِ عَلَى أَنَّهَا أَفْعَالٌ مَحْمُودَةٌ فَالْبُخْلُ وَالْجَشَعُ وَالطَّمَعُ وَفَسَادُ اَلْخُلُقِ وَالزِّنَا وَالْخَمْرِ هِيَ أَفْعَالٌ يُنْكِرُهَا اَلْجَمِيعُ وَلَا يُحَبِّذُهَا لَكِنَّ مَنْ كَانَ فِيهَا وَمِنْهَا يَرَاهَا هِيَ وَلَا غَيْرُهَا وَهَذَا تَزْيِينٌ شَيْطَانِيٌّ اِمْتِثَالاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) سورة اَلْأَعْرَافَ
ثُمَّ تَأْتِي مَرْحَلَةَ اَلْأَخْذِ وَالْعِقَابِ اَلْجَمَاعِيِّ مِنْ قَبْلُ اَلرَّحْمَنِ تَعَالَى وَيَتَجَسَّد ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالى﴿ وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾سورة هود
وَهِيَ مَرْحَلَةٌ اِسْتَفَادَ كُلُّ أَسْبَابِ اَلرُّجُوعِ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى وَمَا نَشْهَدُهُ اَلْيَوْمَ مِنْ اِحْتِبَاسِ اَلْمَطَرِ وَكَثْرَةِ اَلزَّلَازِلِ وَغَلَاءِ اَلْمَعِيشَةِ وَالْأَمْرَاضِ اَلْفَتَّاكَةِ مَا هِيَ إِلَّا عِقَابُ رَبَّانِيّ لِأَنَّنَا اِبْتَعَدْنَا عَنْ اَللَّهِ اِبْتَعَدْنَا عَنْ أَعْرَافِنَا وَتَقَالِيدِنَا وَعَادَاتِنَا وَغُدُوّنَا مُسْلِمِينَ بِلَا إِسْلَامٍ لِأَنَّنَا هَجَرْنَا إِسْلَامُنَا وَأَصْبَحَ غَرِيبٌ بَيْنَنَا . اَللَّهُمَّ رَدّنَا إِلَيْكَ رَدٌّ جَمِيلٌ
دُمْتُمْ بِخَيْر