26 نوفمبر، 2024 6:06 م
Search
Close this search box.

لنا خبز الإغاثة كفافنا، ولهم الدعم الدولي كفافهم

لنا خبز الإغاثة كفافنا، ولهم الدعم الدولي كفافهم

ليس تنظيم داعش لوحده المسؤول عن مأساة العراقيين عموما، والآشوريين بكل طوائفهم والأيزيديين بشكل خاص، بل القائمين على مقدرات البلاد وسياستها على أختلاف ألوانهم وولاءاتهم وميولهم يتحملون المسؤولية القصوى في ذلك، ولا يمكن أن نغض الطرف أيضاً عن السياسة الغربية الرعناء في المنطقة. وإذا ما دخلنا في التفاصيل بشكل أدَقّ فقائمة الإتهام ستطول. ليست هناك من حاجة لإطالة المقالة في ذكر الأحداث التي وقعت أبان وبعد أجتياح أسراب جراد الصحراء الأسود لعدة مدن عراقية، لإننا لازلنا لحد الساعة نعاني من كابوسها الرهيب، ونعيش حاضرها الأليم، ونترقب بخوف وقلق مستقبلها المجهول.
في الحديث عن سقوط نينوى الذي وصل دَويّهُ السماء السابعة، لا يختلف إثنان على خيانة القادة العسكريين الميدانيين في المدينة لبلدهم وأهلهم ومهنتهم، ولا يختلف إثنان على التقييم السلبي والسيء لإداء الحكومة العراقية التي تأسست وفق معايير الطائفية والمحاصصة والولاء لقوى اقليمية ودولية، مما غيّب الكفاءة فيها وتلاشت النخب والتيارات الوطنية التي ثقلها في العملية السياسية يتراوح ما بين نسبة الواحد الموجب والواحد السالب. فعندما تكون هذه معايير تشكيل الحكومة في بلد متعدد الطوائف والقوميات كالعراق فلابد أن يؤدي ذلك الى الأحتقان السياسي ومن ثم الأنفجار الطائفي والقومي الذي سيحرق المواطن العراقي بحكم موقعه في الخط الأمامي  من الصراع، وعندما نتوجه اليوم بأنظارنا الى مجلس الوزراء الجديد، ومنه الى تحت قبة البرلمان المنتخب، سنرى ذات الوجوه نفسها ولكن بأدوار ومواقع جديدة، هذا يعني بأن الشعب العراقي ينتظره المزيد من الويلات، وقودها حتماً هو دم المواطن البريء الأعزل وخيرات البلاد وبنيتها التحتية.
منذ غزو نينوى والمدن الصغيرة التابعة لها، يعيش الكثير من أهلها، وجميع الآشوريين المسيحيين والأيزيديين على قارعة الطرق، وسط ظروف معيشية ونفسية سيئة للغاية، يقابلها أداء حكومي خجول لمعالجة الأزمة، وغياب دولي متعمد يدل على موت كل القيم الأنسانية، ويكشف زيف الأدعاء بالحرية والديمقراطية وغيرها من المصطلحات والعناوين الكبيرة التي لا وجود لها في عالم تحكمه شريعة الغاب.
يدفع اليوم الآشوريين وإلى جانبهم الأيزيديين وكما حدث دائما في التاريخ المعاصر ثمن الصراعات على السلطة في العراق، وبالتركيز على تحليل الأحداث ودور القوى المؤثرة على الساحة العراقية نستنتج بأنه كان دور خياني، سواءً كان على مستوى الحكومة الفيدرالية التي مُنيت بفشل ذريع في إثبات وجودها للأسباب المذكورة أعلاه، أو على مستوى القيادات الكوردية التي أنسحبت قواتها بشكل مفاجيء من مدن سهل نينوى تاركة ورائها الأطفال والشيوخ والنساء فريسة لفرق الإرهاب التي لا تفهم سوى سياسة القتل والسبي والترهيب، والأغرب من كل هذا كان محاولة تجريد الأهالي من السلاح!!، نعم تجريد الأهالي من السلاح وعصابات داعش على عتبة دارهم، والميليشيات الكوردية تستعد للإنسحاب!! لا أجد تفسيرا لذلك سوى أعتباره مخطط لتعريض الآشوريين والأيزيديين للقتل والتهجير، وهذا ما حصل. فالتاريخ سيسجل هذا الموقف المُشين في صفحاته السوداء، بينما تطرق مسامعنا بين الحين والآخر بعض الخُطب المستهلكة لمسؤولين أكراد كبار معبرين عن تضامنهم مع “المسيحيين” وكأنهم يمنّون عليهم لأيوائهم في الساحات العامة وعلى أرصفة الطرقات، متناسين بأن هؤلاء المسيحيين  هم الآشوريين أصحاب تلك الأرض.
أزاء كل هذه الجرائم البشعة، وبعد أن أكتضت شوارع دول العالم ” الديمقراطية المتقدمة” وساحاتها العامة بالمظاهرات والأعتصامات، ورسائل الأمتعاض وخيبة الأمل، تمخض الغرب وعلى رأسه أميركا لشهور فولدوا مسخاً سياسياً جديدا لا يقل قباحة عن سابقيه، فبعد أن شعروا بأن مصالحهم أصبحت ضمن قوس النار لعصابات داعش، قرروا تقديم الدعم المادي والعسكري والمعنوي لحكومة ” الأقليم الكوردي”، وكأن جيش ناحية آمرلي الجرار بترسانته العملاقة والمتطورة هو الذي حال دون أجتياحها بعد محاصرتها لثلاثة أشهر من قبل داعش بدرجة الثلاثمائة والستون!،  هذا الدعم ليس إلا حلقة جديدة من سلسلة سياساتهم الخبيثة في عملية توازن القوى العراقية، وهو تهيئة لمرحلة مُقبلة ربما من شأنها أن تُزيل خريطة البلاد الى غير رجعة، يأتي هذا الدعم الدولي وكأن المتضرر في كل هذه الأحداث هم الأكراد لا غيرهم، أما فقد أكتفوا بتقديم كسرات الخبز لهم ليسدوا به رمقهم وينقذوا أطفالهم من الموت جوعاً، دون مراعاة مشاعرهم وكرامتهم المستباحة، ولم يعطوا اذنا صاغية الى دعوات الآشوريين والأيزيديين المُلحّة لتقديم الدعم العسكري واللوجستي لهم ليمكنهم من حماية أنفسهم وعوائلهم وأرضهم بعد أن فقدوا الثقة بالمطلق بقدرات الحكومتين الفيدرالية والأقليمية. كل هذه التحديات تكشف لنا حقيقة عدم وجود حليف محلي أو أقليمي أو دولي لنا كآشوريين، من المؤكد بأن السبب الرئيسي يكمن في أدائنا السياسي والقومي الذين باتا من ناحية أسيرَي الولاءات لأجندات محلية مضادة، والمصالح الحزبية والصراعات الداخلية لاسيما الطائفية من ناحية أخرى.
لقد آن الأوان لكي ننبذ الخطابات الهلامية لسياسيينا ووعودهم الكاذبة، ونُقر بأننا خسرنا هذه المعركة على المستوى القومي بأمتياز، ولكننا لم نخسر الحرب برمتها، وما علينا إلا أن نُدرك بأننا لسنا اليوم بصدد العمل لنيل حقوق قومية بقدر ما نحن في صراع من أجل حماية وجودنا المهدد، والحل الأمثل يكمن بالدقة والموضوعية في القراءة المسؤولة لكل الأحداث التي مرت خلال السنوات القليلة الماضية، والعمل على إعادة صياغة الخطاب القومي الآشوري بشفافية وفق معايير صحيحة لكي لا يكتنفه الخنوع والتوافق على أساس معطيات الواقع الشاذ، ومن ثم تبني المشروع القومي المتكامل المبني على الثوابت الآشورية المتمثلة بالأرض والهوية الآشورية كأستحقاق قومي ووطني مشروع، والتحرك على هذا الأساس على المستويات الدولية والأقليمية والمحلية، لإزالة الغبار عن القضية الآشورية لتظهر من جديد بصورتها الكاملة والصحيحة، وليتسنى للعالم أيجاد آلية التعامل معنا، وفي نفس الوقت يمكننا ذلك معرفة موقعنا من كل المشاريع القائمة في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والعراق على وجه الخصوص. هذه المسؤولية تقع على عاتق النخب القومية لا غيرهم، وهو واجب قومي وأخلاقي ملزم لجميعهم، فالأكتفاء بدور المتفرج في هذه المرحلة يعتبر مشاركة في عملية محو الوجود الآشوري وإقصاء قضيته العادلة. 

أحدث المقالات