لا يوجد في منطقة الشرق الاوسط من يجيد فن التمثيل مثل زعماء الاحزاب الشيعية العراقية، كل زعيم يؤدي دوره الذي رسم له باتقان وحبكة درامية عالية في مسرحية هزلية عبثية تراجيدية، لا احد يجاريهم في هذا المجال، ترى الواحد منهم يؤدي دور الرجل الاصلاحي الحريص على مصالح الشعب، ينتقد الحكومة التي يشارك فيها!ــ ليل نهار ويقود المظاهرات والاحتجاجات ضدها، ولكنه في الحقيقة يسعى الى تحريف مسار التظاهرات ومنع من ظهور اي شخص آخر خارج”الشلة”الحاكمة في الواجهة، لذلك لم نر لحد الان زعيما معارضا واحدا برز من بين المتظاهرين سواه (ظهر شخص واحد وهو الشاعر والصحفي”هادي المهدي” ولكنهم اغتالوه) وكذلك اسند الى الآخر دور الراهب الحكيم الهاديء الرزين الذي يمسك العصا من الوسط دائما ويبشر بالسلام والوئام، وهو في الحقيقة الرأس المدبر والشريك الاصيل والمحرك الاساسي لكل ما يحدث في البلاد، وهكذا كل واحد من هؤلاء الزعماء “الممثلين المحترفين” يؤدي دورا محددا في المسرحية العراقية، كلهم تدربوا على تقمص ادوار مختلفة في المدارس الطائفية لسنين طويلة، كل زعيم يتقمص دورين متداخلين في آن واحد وبشخصيتين مختلفتين ؛ شخصية تؤدي دور”رجل الدولة”السياسي اللعوب البرغماتي الذي ينتهز اي فرصة لتحقيق مصالحه ومصالح حزبه وطائفته والنيل من خصومه،وشخصية اخرى تتقمص دور”رجل الدين المعمم”الذي يتكلم بالقرآن واقوال الائمة والصالحين ويسوق نفسه للعالم على انه ورع وتقي، ولكنه يستغل صفته الدينية ويرتكب كل الموبقات التي حرمها الله، الشخصيتان تتوحدان وتمتزجان في كل زعيم شيعي يتصدى للعمل السياسي، بدءا من المراجع الدينية وانتهاءا باصغر عضو في اصغر حزب شيعي..
والمفارقة ان كل الفساد المستشري في العراق وعمليات النهب المنظمة لاموال الدولة التي تصل الى المليارات من الدولارات ترتكبها احزاب تتخذ من الاسلام شعارا لها(حزب الدعوة الاسلامية، حزب الفضيلة الاسلامية، التيار الصدري “الاسلامي”، المجلس الاعلى الاسلامي وهلم جرا) لا يوجد من بينهم حزب علماني واحد، كلهم مسلمون وموالون لاهل البيت، وفي مقدمة هؤلاء الذين سلط عليهم الاضواء في مسرحيتنا الهزلية التراجيدية واتجهت اليهم انظار النقاد والمحللين في العالم هو (نوري المالكي) ماليء الدنيا وشاغل الناس بازماته وصراعاته الكثيرة مع كل المكونات والاحزاب والتيارات السياسية العراقية، فقد قدم نفسه في اول يوم من حكمه على انه رجل وطني غيور على وحدة البلاد وحريص على سلامة المواطنين وامنهم واستقرارهم، ولكن لم تترسخ الطائفية في العراق ولم يتغلغل الفساد في مفاصله الاساسية الا في ظل حكمه ولم تنفصم عرى العلاقات الطيبة بين المكونات الاساسية الا بتوجيهاته الطائفية، ولم يظهر”داعش”ويغزو المدن العراقية الا عندما انسحبت قواته بامر مباشر او غير مباشر منه..
وبعد ان ادركت الاحزاب والتيارات السياسية العراقية خطورة هذا الرجل على السلم الاهلي اطاحت به وعزلته من رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، ولكنها تركته تتجه الى”البرلمان”الذي يملك فيه اكبر كتلة نيابية ليعيد فيه نشاطه السياسي ضد معارضيه، ولم تمض فترة طويلة حتى استطاع ان يكون شبكة كبيرة من العلاقات داخله(وخاصة بعد زيارته لمدينة السليمانية ودخوله في تحالف مع الحزبين الكرديين الاتحاد الوطني وحركة التغيير”) ويظهر قوته لخصومه السياسيين واستطاع من خلاله ان يوجه ضربة موجعة لاعدائه”بارزاني وبعض قادة السنة الرافضين للاملاءاته” من خلال سحب الثقة من وزيرين سياديين، وزير الدفاع “خالد العبيدي” ووزير المالية ” هوشيار زيباري”..
يبدو ان التنسيق جار على قدم وساق بين “المالكي” ورئيس البرلمان “سليم الجبوري” وخاصة بعد زيارة الاخير الى ايران عقب اتهام وزير الدفاع المقال “خالد العبيدي” له بالفساد وكاد ان يطيح به لولا تداركه للامر وذهابه الى ايران، فسقط عنه كل التهم وطلع منها كشعرة من العجين، وهذا ما حصل له في قضية مشابهة عام 2014 عندما اتهم ب(14)ملفا بالارهاب، وبدل ان يدخل السجن ليقضي بقية حياته فيه،دخل البرلمان واصبح رئيسا له..
ربما سنشهد في الايام القادمة عمليات نوعية مشتركة بين الرجلين لاستهداف الخصوم السياسيين وخاصة”بارزاني”و”اسامة النجيفي” شبيهة بالعمليتين الناجحتين اللتين استهدفتا وزيري المالية والدفاع..
كلمة اخيرة..
لو امتلك الوزيران المخلوعان “خالد العبيدي” و”هوشيارزيباري” حصافة وفصاحة “سليم الجبوري” لما تزحزحا عن منصبيهما ابدا..زيارة واحدة لايران كانت تكفي لاسقاط التهم عنهما جملة وتفصيلا!..
– See more at: http://elaph.com/Web/opinion/2016/9/1111154.html#sthash.O7qIZcEy.dpuf