التفكير أساس المخلوق الآدمي:
الآدمي مكرم ومخلوق كنموذج مفكر عاقل، نجاحه في مسيرة الحياة هو نجاح منظومته العقلية وليس أي شيء آخر، فليس هو ناجح إن أشبع غريزته كحب السيادة والتملك والنوع مالم يك بطريق صائبة، وليس هو ناجح إن وفر أسباب الرفاهية، بل النجاح في رضا الله من خلال تحقيق فاعلية المنظومة الإصلاحية أو في مسار الحياة، فحسن التفكير وسلامته هو معيار للمنظومة العقلية ودليل عليها ولها.
التفكير الاستراتيجي والتاريخ:
في الحديث عن التفكير الاستراتيجي لا نتحدث عن استراتيجية الحروب فالحرب لها معاملها في الإدارة للمعارك والتحضير لها، وممكن أن تنجح فتنتصر أو تخسر فلا استخلاص منها بشكل مباشر وإنما يربد مع عدة معاملات لتقيَّم، إننا نتحدث عن امر اعم من استراتيجية الجيوش نتحدث عن تفكير محكم شامل، وفي التاريخ والحاضر أمثلة نستل منها ما يفيد كعبره ونموذج.
في التفكير الاستراتيجي هنالك حسم في تقديم أولوية التفكير، وتأخير الأساليب العنيفة، وهذا يعني ضبط رد الفعل والتوجه لتقوية الأدوات، ليس إلغاء خيار العنف أو الحرب نهائيا بل وضعها في التخطيط وليس رد الفعل، في الوسائل إلى الغايات وليس في الشعارات.
أمثلة على أثر التفكير الاستراتيجي في السياسة:
سأذكر هنا عدة أمثال من التاريخ وليس الغاية تقييمها وإنما اخذ العبرة منها:
1- ما بعد معركة الزلاقة لم يخطط بشكل جيد للحفاظ على وحدة الأندلس فتعاظمت مع الضعف التباينات والتمزق إلى أن فقدت الأندلس بمساعدة الطامعين والطامحين.
2- ضعف الإدارة وإعداد القادة العباسيين جعلهم يرضون بحكم شكلي للأطراف وترك تلك البلاد تواجه لوحدها هزة عنيفة مثل المغول بدل أن يصرف الأموال لتمكينه من الإدارة المباشرة بحيث يتحسس الخطر المغولي ويضع له الخطط للقضاء عليه.
3- دخول العراق الكويت، ومقابلة إيران، هذا ليس تفكيرا استراتيجيا من الحكومات الثلاث فالخسائر كبيرة وهم ليسوا وحدهم في العالم أو يملكون القرار النهائي، لهذا كانت الحروب تدار لتستنزف المنطقةوليست واقعة ضمن التفكر الاستراتيجي وإنما اكتفت باستراتيجيات الحروب.
4- أسلوب الكويت نفسها في قبول التوسع دون إرادة دولة جارة أكبر لم تستقر لاحد في تصور أن التوسع سيكون تحصيل حاصل واستثمار المنطقة وحرمانها من منفذها البحري، هذا ليس تفكيرا استراتيجيا، وكان بالإمكان اتباع أساليب أخرى وتحصيل نتائج متوازنة للبلدين، لأننا سنخلق مشكلة تعبر إلى الأجيال فهنالك وثائق وهنالك محاكم وكان لابد اعتماد الوثائق.
5- ما يجري الآن في غزة من إبادة جماعية وجرائم حرب سيكون له بعد لأحداث تاريخية، تنفيذ رغبات عقلية عدمية لا تحترم الإنسانية ولا تعتبر أن الإنسان في فلسطين بشر وان من يقاتل دفاعا عن أرضه وحريته، ليقترح تهجيره وتسكين المهاجر، هذا ليس تفكيرا استراتيجيا.
6- خلق الكيان الصهيوني محيط تتضاعف فيه الكراهية اعتمادا على الظرفية من الحماية من الدول الكبرى، ويسبب مشاكل للمنطقة لكي يثبت انه قادر على حماية مصالح الغرب ويكون قاعدة متقدمة لهم، هذا تكتيك ظرفي وليس تفكير استراتيجي.
أمثلة على التفكير الاستراتيجي المفقود في الدولة:
• في ديمومة النظم: اغلب الدول في عالمنا العربي تقيم أنظمتها على إخضاع الجماهير وغياب الشفافية معها وترتكز على تثبيتها بدعم وهمي من الخارج لا يعمل إلا على قدر مصالحها لذا فكلفة البقاء غير المضمون هذا عالية، وهذا ليس تفكيرا استراتيجيا.
• في العراق مثلا تواجه النخبة والحكومة مشكلة المياه بلا منطق أو واقعية، حيث تعتمد روتين أساليب قديمة كانت تفيد حينها ومتاحة، أما اليوم فمواجهة هذا باستثمار النفط لبناء مشاريع مياه ضخمة وإبداع أساليب في نقل تدوير المياه ومعالجتها، وإقامة مشاريع ونظم إدارية عابرة للحدود السياسية، فالبقاء بالكلام عن حصص وغيرها ليس تفكيرا استراتيجيا.
• الدولة منظومة إدارية تنميها المهارات وليست روتينية تمشي المعاملات أو تترك الحبل على الغارب فيتوسع الإهمال يوظف ليكون بيئة للفساد، فالتفكير الاستراتيجي أن يكون هنالك منظومة إعداد وتطوير وتفكير بمشاريع واستثمار الموارد الطبيعية وتحويلها إلى موارد مالية أخرى وصناعات تستوعب النمو السكاني.
خاتمة الكلام: إن التفكير الاستراتيجي يلغي رد الفعل أو السلوك غير المدروس دون استقراء الواقع ثم التخطيط المحكم لحل بتتابع الخطوات؛ فرد الفعل من هذا النوع أو الإهمال للحوادث وآثارها وتركها دون الانتباه للشقوق وترميمها قد يوقع الفرد أو الأمة في أسوأ حال، وكلما تطورت وسائل الاتصالات والمواصلات وامتدت المصالح يصبح من يقرر بانفعال الحدث ولا يخطط ضحية سهلة لمن يخطط ويعمل ويستقرئ ويستشرف الأحداث والحاجات التي ينبغي تطوير صناعتها أو ما يمكن ابتكاره.
أحد اطر التعريف أن التفكير الاستراتيجي هو استخدام المنظومة العقلية في إيجاد البدائل بعد استيعاب الصدمة والتخطيط المحكم لأمور إبداعية ليست معروفة سابقا أو معروفة لكنها لا تستخدم في بلد ما.