وهكذا يستمر ذات السؤال بعد ما تقدما به من عرض للواقع والحال ،في اولا من هذا المقال ، من المسؤول بالتحديد عن كل هذا التدني هل هو السياسي القدوة ام المواطن وشكواه المستمرة .؟ ، وما هي تجليات هذا الانحدار الجواب ، هو على النحو التالي .
اولا ….السياسي العراقي لم يكن قدوة .
لم تعد مسألة السياسي العراقي موضوعا لبحت أكاديمي مجرد ، أو عنوانا صحفيا يقرأه من يريد إضاعة الوقت عند فنجان القهوة
الصباحي ، أو مثار حديث منفلت وعابر في فضائية لا نعرف هويتها أو نواياها ، أو أن هذا السياسي كان سببا في نحيب ام راح ضحية حروب عبثية داخلية أو خارجية ، لا لشئ إلا لكونه جنديا مكلفا بالخدمة الإلزامية ، أو شقيق لامرأة أخرى مات جراء عملية اغتيال سياسية ، وثالث لاب غييبته الطائفية ، ورابع لأخ غيبته السجون والمعتقلات منذ نقرة السلمان حتى معتقلات الديمقراطية ، أو أن مواطنا اختفى بفعل فساد قام به هذا السياسي أو ذاك الزعيم ، بالجملة خراب بلد راح ضحية من ابتلى به كرسي الحكم أو منصب الرئاسة ، أو سارق لقب علمي تصدر منضدة الوزارة أو مزور شهادة وملأ بها منصب العمادة ، بالمختصر كان السياسي العراقي مثارا للسخط وموضعا للاتهام لما كان له من دور مخرب على الدوام منذ تأسيس دولتنا عام ١٩٢١ ، وعلى وجه القادم من الايام .
ثانيا ….المواطن العراقي .
لم يكن السياسي ،،على إطلاق الكلمة ،، بقادر على التخريب لولا التحاق المواطن به من بعيد أو قريب ، لولا التصفيق لصدام طيلة كل تلك الأعوام لما تجرأ وتطاول على القانون والنظام ، لولا التملق لأبنائه لما تجرأ عدي على تخطي قيود الحلال والحرام ، العيب فينا ونحن ننتخب من كان موضعا للشك عاملا في الظلام ، نختار الفاسد رغم معرفتنا بفساده على مر التجارب والايام ، وتتكرر التجربة رغم قلة من توجه مؤخرا للانتخاب ، لكن حب المال اوصل من لا يستحق للنيابة أو لكرسي الوزارة .
أن القدوة لم تكن منضبطة ، لكنها ليست الفاعل الاول ، بل من التحق بها من الحواشي والمريدين الذين صاروا هم القادة والمتنفذين وانتشروا بين الأحياء والساكنين ملوحين بالمال والجاه والسلاح المبين ، وصاروا يمتلكون اغلى السيارات ووسائل النقل الحديثة ، وأرقى الشقق والفيلات الأنيقة ، وتنكروا مثل قادتهم لجذورهم الاجتماعية وغادروا مكامنهم القديمة إلى الأحياء الغنية وشكلوا جميعا شريحة اجتماعية لم ترقى إلى مرتبة الطبقة ، كونها لم تكن وليدة ظروف العمل والإنتاج ، بل وحدها التعدي على المال العام أو تشكيل عصابات بيع المخدرات ، أو أنها نتاج تجمع وحدته المصالح الذاتية لبس بعضها حلة الأحزاب أو الكتل السياسية ولم توحدها عقيدة أو اهداف وطنية ، وصرنا نجد كل يوم تنظيما سياسيا جديدا ، وهو عبارة عن تجمع أشخاص لا توحدهم عقيدة ولا مبدأ أو برنامج واضح إنما أشخاص أرادوا أن تكون لهم الزعامة ، وهكذا صار عراقنا يمتلك أكثر من 400 عنوان أو لافتة سياسية والمخرجات صفرا على الشمال أو قلة في الاوراق الانتخابية ، وصار الكل يرفع شعار الأقاليم وحب المناطقية ، وكان الإقليم عصا سحرية تحول المحافظ الفاشل إلى رئيس إقليم له كل تلك القابلية ،
إننا ننتقد البلدية ونرمي في ازقتنا النفايات ونصادر الأرصفة ونعمل منها مأرب للسيارات أو مخازن للادوات الاحتياطية ، إننا نطالب بالوظيفة العامة ولكن ما أن صرنا من الموظفين نتمر في اليوم التالي على المراجع وحقوقه القانونية ، إننا نطلب كل شئ من الحكومة ، وكأنها من عالم الملائكة ، أنها منك ومني ومن كانت له الأهلية ، غير أن الموظف يشتم الحكومة ،،كما يقول الوردي،، وهو جزء منها والسبب هو أننا كثيروا الانتقاد قليلوا الإنتاج ، لا نملك المبادرة كل ما نملكه اللسان وكثرة الشكوى والنحيب .
ثالثا ……تجليات الانحدار ونتائجه .
بدأ الانحدار بصورته الحقيقية أو المشوهة منذ لحظه دخول المحتل اراضي بلدنا ، حيث ترك النهابون المحتل يتوسع دون مقاومة واستداروا إلى أموال الدولة ومعسكراتها ليعيثوا فيها فسادا وينهبوا موجوداتها عنفا ، وغزا آخرون من ابطال الرذيلة مخازن القطاع العام مرورا بالجامعات وصولا إلى أسرة الخدج في المستشفيات ، ولم يتركوا للدولة حتى شبابيك البنايات وأبوابها بل حتى حجر الجدران كما حصل لمطبعة الحكومة في الباب المعظم ، وانتقلت تلك الجموع لتكون مادة بعض الأحزاب الجديدة واستمرت العملية لينتقل المشهد إلى تغيير مادة الدولة ومدها بالموظف الجاهل أو المدير الفاشل أو بمن هو مماطل وغير فاعل ، وهكذا انتقل المجتمع من دولة العراق الشمولية الخائف من البعثية إلى دولة العراقي صاحب الحرية الذي تمترس وراء العشيرة ليتاجر بسلاح معسكرات الدولة أو المخدرات أو سرقة النفط الخام أو إيجاد الوسائل لنهب المال العام وتحول هذا المال إلى تشكيل دولة موازية تنتج الدورات الانتخابية وهكذا تراجع دور الدولة ليحل محلها دور المافيا ، وانتقل المشهد إلى الوزارات كافة ، وباتت اقطاعيات وافية ، وصار الوطن عرضة للاستباحة من الشمال والشرق والجنوب والغرب ، كل يبحث عن موالين ليذهب العراق الى الجحيم ، وصار التزوير بلا خجل ، وقتل النفس دون خوف أو وجل ، وصار كل شئ بالعراك من عراك العشائر الذي بلغ ذروته في الربع الأول من هذا العام ليبلغ الكم أربعمائة صدام ، إلى عراك أصحاب العناوين على الرئاسات أو الكراسي أو على المدراء العامين ، كل شئ بالمحاصصة والكل لم يعد ينظر إلى الوطن سوى أنه منصة لنشر الدعاية الانتخابية ومحلات لإثبات الشخصية ، وسار الانحدار حتى وصل بنا إلى الهاوية . بالملخص ما كان حراما صار حلالا ، وما كان عيبا أصبح مقبولا .
أن التراجع فينا أما أن يكون تراجعا تلقائيا جراء غياب عوامل تهيئة الشخصية كالمعلم المربي أو الأم المثالية أو الأب صاحب الأهلية ، أو أن يكون التراجع ناتجا عن تخلي الاسرة والمحلة والدولة عن دور كل منها في ضبط ايقاعات السلوك العام ،
أن الحل يكمن فينا ، أن نتوقف عن لوم الآخرين ونبدأ بالذات ، أن يبدأ المجتمع بتطهير ثناياه من أسباب الانحدار وضعف التغيير ، أن يعمل الاب ، كما كان آباؤنا ، على عدم الإتيان بالعمل المشين وان تنقلب الام على الابن الضال ، وان لا تقبل الزوجة بالرزق الحرام وان لايقبل الاخ من أخيه سؤ السلوك وإلحاق الأذى بالمال العام ، وان يبدأ المعلم بتوجيه النشء ،، كما عمل معلومنا ،، نحو التمسك بالتعلم والابتعاد عن أعمال الرذيلة أو مخافة النظام ، وان تعمل وزارة التربية على إعداد المدارس الجاذبة لا المدارس الطاردة ، كما أن لرجل الدين دوره في الإصلاح وتوجيه السامعين نحو تقوى الله وحب الوطن والتمسك بما هو صالح من العادات والتقاليد ونبذ الفرقة والفساد والعمل على تطبيق الشريعة وأصول الدين ، والحديث طويل ، ولكن في آخره نناشد الدولة أن تصلح من حال أجهزتها وان تعمل على تمكين القوانين وان تغادر حالة التراخي ، فالخطر واضح ومبين وان المحافظة على كوابحنا الرسمية وكوابحنا الاجتماعية بات ملاذنا الاخير