19 ديسمبر، 2024 3:03 ص

لم تعُدْ الخضراء أخت الجنة

لم تعُدْ الخضراء أخت الجنة

تشكو أخت زوجة نائب من اهل البصرة الى اختها التي تسكن في المنطقة الخضراء ، أن اطفالها يكادون يموتون من الحر بسبب انقطاع الكهرباء الدائم .فترد عليها اختها :نحن في المنطقة الخضراء نعيش في الجنة.
جنة الوهم هذه هي المكان الافتراضي للعيش الرغيد الذي صنعهُ بول بريمر ووضع حدوده الأمنية والأدارية  ـ وهي ذات الحدود للمربع والمجمع الرئاسي ايام صدام الذي لم يسور المكان وقتها بجدار الكونكريت وكان الدخول الى بعض مناطقها لايتوجب فيه الباج والكلب البوليسي الذي يشمكَ من رأسك الى قدميك.
هذه الجنة التي استحوذ عليه نفر قليل من ساسة البلاد وعوائلهم واقاربهم واحبابهم ، صارت بالنسبة للعراقيين منطقة العزل لمن يعتقدون انهم النخبة وبأمكان حكم وادارة ارض السواد من هذا المكان ، وصارت تلك الكليومترات المربعة القليلة افضل مكان للعيش في العراق بعد مصايف الشمال شقلاوة وبيخال وسرسنك ، حيث لاتقطع الكهرباء في الخضراء ، وحيث الخدمات والاسواق الخاصة بالساسة وعوائلهم وحيث مقر البرلمان ،ورئاسة الوزراء ، ووزارة الخارجية والسفارات المهمة وفندق الضيافة المسمى ( الرشيد ) .
ومع هذه الامكنة هناك عشرات القصور الرئاسية وآلاف الشقق والبيوت اصبحت منازل سكن ومكاتب ودور ضيافة للمسؤلين ابتداء من رئيس الجمهورية وحتى اصغر موظف ممن ينالون حظوة الحزب او المسؤول .
كان الشعب ينظر بغيض لهذا المكان ، فهو محجوب عنه في المشاهدة والزيارة ، واصبحت مكبا للسباب والمقارنة والسخط كلما اطفئت الكهرباء في بغداد وكلما غرقت من الامطار وكلما انفجرت سيارة مفخخة او تكومت الازبال بالشوارع ، لهذا صارت المقارنة بين حي شعبي في احدى قطاعات مدينة الصدر وحي من احياء المنطقة الخضراء مثل المقارنه بين البؤس والفقر وبين النعمة والغنى .
اليوم بعد الهبة الشعبية لازاحة المصاطب الكونكريتية واقتحام المنطقة الخضراء من قبل الشعب ، سقط وهم الجنة التي اسسها بول بريمر ويديرها الان السيد العبادي ، سقطت حدود الوهم بين الكهرباء الوطنية الدائمة وكهرباء المولد والقطع المبرمج الممل والطويل .
سقطت ليال الفكاهة والضحك العالي في كافتيريا فندق الرشيد ومنصات التسويف في مبنى البرلمان ، وصعد صوت الفقراء ليزيحوا الوهم وليكسروا بجزعهم الزجاج المظلل لسيارات المونيكا والجكسارا والهمر.
اذن بعد هذا اليوم ( الفاصلة ) المهمة في تواريخ انتفاضة الشعب لم يعد هناك تابوها اسمه المنطقة الخضراء، لم يعد هناك من يقف امام كاميرا التلفاز ويستهزأ بقدرة الشعب ويعمق في ابتسامته الصفراء الطائفية والمحاصصة والكتلوية.
ذهبت الخضراء الى ذكرى كلابها البوليسية ومواكبها الرئاسية ، فلم يعد هناك محظور للوصول اليها حتى عندما ينسحب الشعب منها اليوم او غد ، فالعودة الى هذه الجنة ( الخرافة ) صارت سهلة جدا ، دفرة واحدة لصبة كونكريت ثم تلج اليها ، فيهرب سدنتها من الجانب الاحر للدجلة بالزوراق .ويقال أن احدهم هرب بدراجة هوائية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات