كل القوى السياسية التي تبؤت السلطة في العراق بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 حكمت باسم المبادئ حيث رفع الشيوعيين شعار وطن حر وشعب سعيد لا الوطن اصبح حر ولا الشعب عاش سعيد وكذلك القوى القومية بكل فصائلها وعناوينها التي رفعت شعار وحدة، وحرية، واشتراكية، لا الوحدة تحققت ولا الحريّة ولا الاشتراكية .. واليوم الاسلامين يحكمون البلد باسم الدين والمذهب ورفعوا شعار لا ولي الا عليّ وهم اول من خان مبادئ وقيم عليّ رضي الله عنه ولكن الفرق بينهم وبين الاخرين انهم سرقوا البلد باسم الدين .. مما يعني ان كل طرف حكم بإسم المبادئ المقدسة وبذل الغالي والنفيس من اجلها والتضحية في سبيلها حتى وصل الحال الى تأسيس ثقافة الثأر والانتقام بحجة الدفاع عن تلك المبادئ التي جعلها الاسلاميين تمتد الى عمق التاريخ .. لقد شبع الشعب العراقي من تلك الشعارت التي لم يحصد من ورائها غير الجوع والظلم والقهر طيلة عقود من الزمن وفي ظلالها شهد العراق احداث مريرة تميزت بالسحل والقتل والاعدامات والتصفيات والتفجيرات والتفرقة والتهميش والتهجير والصراعات حتى بين اصحاب المبدأ الواحد والدين الواحد لذلك اصبح الناس يسخرون منها بل بات يكفرون حتى بالمقدسات الدينية التي لم تعد وسيلة لبناء الاوطان بقدر ما هي الا شعارات كشفت زيف المتاجرين بها واصبحت سلعة بائرة في سوق المزايدات وهذا لا يعني العيب في بعض المبادئ الوطنية والاديان السماوية وانما العيب بمن اتخذها وسيلة لمصالح شخصية او فئوية .. وكذلك لا يختلف الحال في بعض الدول العربية التي كانت هي الاخرى ضحية الايدولوجيات السياسية وقد وصل حال البعض منها الى حافة الانهيار ولا زالت تخدع الشعب بشعارات المقاومة والممانعة التي لا ندري من هو العدو الذي تقاومه وكل نيرانها تطلق على ابناء شعوبها .. الى متى نبقى على هذا الحال وكل يوم يظهر لنا عنوان جديد وشعار جديد والثمن دماء غزيرة وقتل وفرقة وخلاف .. متى تعي الشعوب والنخب الوطنية ان السياسة ليست ايدولوجيات وتنظير لفرضها بالقوة على الناس لقبول فكر معين نابع من فلسفة سياسية او مستنبط من مذاهب دينية لشحذ الولاءات كونه مقدس او إيحاءات لتحقيق احلام وردية مبنية على وعود كاذبة غير قابلة للتحقيق .. وانما السياسة بناء، وتعليم، وصحة، ومدارس، وجامعات، ومراكز بحوث، ومستشفيات، وطرق، وجسور، وفرص عمل، ورفاهية، وعوائد مالية لأستشراق مستقبل افضل للاجيال القادمة التي يفترض ان تكون هي المعيار في اخيار المسؤول لمن يقدم خدمات للشعب وليس بما يُؤْمِن من معتقدات مثلما تفعل الدول المتقدمة من اجل نهضة شعوبها في حياة حرة كريمة بعيداً عن عقائد وأوهام مبنية على الدجل والشعوذة ..