23 ديسمبر، 2024 12:39 ص

لميعة عباس عمارة واستحقاق الدكتوراه الفخرية

لميعة عباس عمارة واستحقاق الدكتوراه الفخرية

لميعة، سليلة مملكة ميسان العراقية.. ماؤها السيح، ورستتها” رداؤها” الأبيض. هي امتداد الحضارة ترنيمة وشعرا في بلاد ما بين النهرين. حملت العمارة لقبا تتباهى به فتباهت بها العمارة أيضا. بغدادية الولادة يمتد جذرها لبغديدة، وتتصافح مع أبي إسحق الصابي، وتعاصر عبد الجبار عبد الله. عراقية الجمال حد الرواية أن عينيها كانتا وراء أنشودة المطر لزميلها الشاعر الكبير السياب، ورؤية الجواهري فيها أنها ليست شاعرة وحسب، بل هي باقة ورد في بيت الشعر أيضا. نشرت الشعر وهي “حْديثة” فتاة الرابعة عشرة فقال عنها شاعر المهجر إيليا أبو ماضي” إن كان في العراق مثل هؤلاء الأطفال فعلى أية نهضة شعرية مقبل العراق؟”  وحين نكتب في ” الكوكل”، على سعته، كلمة لميعة يكون اسم لميعة عباس عمارة أول الأسماء. تجاوزت الخامسة والثامنين ومازالت تنبض بالحياة والعطاء تحضَر الدواوين وتطبع الدواوين.
هي ابنة الفنان الأديب الصائغ المبدع عباس عمارة، صاحب قلم النقش الألمع الذي ربما كان في لمعته سببا لأن يسمي ابنته لميعة، أو أنه تنبأ لها اللمعان فكان. حمل من العراق فن الصياغة إلى مصر فأبهر خان الخليلي حرفة، وكان وراء معرفة عباس العقاد بالصابئة المندائيين ليذكرهم في كتابه” ابراهيم أبو النبياء” بمعلومات صحيحة، وهو صديق شاعر المهجر إيليا أبو ماضي، والمكرم من الرئيس الأمريكي روزفلت في معارضه الفضية التي أبهرت الغرب، معلم ابنته وصديقها.
لميعة، الأكاديمية المتخرجة في دار المعلمين العالية ببغداد، المدرسة والشاعرة والممثلة للعراق في المنظمات الدولية.. جمالها وفتنتها انعكس فتنة وارهافا وسحرا في شعرها.. حنينة حانية. فيها معنى طين العراق الحرّي وشموخ نخل العراق الواقف منذ الأزل، وثمره الكنطار والبرحي. طافت البلدان العربية بكل الترحاب، انشدت، بل غردت للحب والأمل وللمعرفة.. انشدت للعراق، للعمارة، ولبغداد الصوبين كرخا ورصافة. كـُرمت بوسام أرز لبنان، وثناء ياسر عرفات في فلسطين، وبوسام الآس من أهلها الصابئة المندائيين. نالت الجوائز العديدة، ورغم أنها قدمت نفسها جائزة للعراق، لكنها ماتزال تنتظر جائزة العراق.
وإذ استقرت لميعة في المهجر منذ سنين في ساندياغو بكالفورنيا أمريكا التي هي ليست أحق بها من العراق، لكن ذاك كان العيش ليبقى الوطن مصدرا للحنين. ويظل العراق في قلبها والضمير.. تسكنه ويسكنها.. تشتاقه ويشتاقها.. تكتبه ويكتبها… ويبقى دمعة تسيل على خدها ومخدتها حين، بعد سهد، تأوي للسرير.
تباركتُ بمعايدتها مهاتفة في عيدنا المبارك الكبير ورأس السنة المندائية قبل يومين.. تمدحني وهي الممتلئة مديحا، وتشد في همتي وخدمتي، ووجدتها الهميمة بهذا العمر، الذي أدعو الحي العظيم أن يطيله صحة وعافية، تحكي إنشغالها بالكدس المتجمع مما كتبت والذي تحرص على أن يرى النور، فتجدّ بمتابعة الطباعة والتصويب والتصحيح.
فكرت أن أخاطب أهلها الصابئة المندائيون في كيف نكّرم اللميعة، ثم عدلت لمخاطبة العراق والعراقيين في تكريمها فهم أهلها وشعبها، وهم أرضها وسماؤها، هم ماؤها وهواؤها، مسقط رأسها ونبوغها، تاريخها، وطنها الذي يعيش فيها أينما كانت. وكلنا صار يعرف ويشيد بمكانة لميعة عباس عمارة في نفوس العراقيين والعرب، كونها علامة بارزة في الشعر العربي المعاصر، وهي دليل شاعرية المرأة العراقية ومؤشرها في الثقافة العربية. لنا في عراقيتها فخر متفق عليه في جميع لغات العراقيين المندائية/ الآرامية، والعربية، والكردية، والتركمانية. لنا في عطائها مثال المثابرة، لنا فيها كلها نخلة باسقة شماء لم تحنها السنين. ورغم أنها تعيش في كاليفورنيا بلد نخيل أمريكا، لكنها تظل النخلة العراقية المتميزة بين نخيل كل العالم.
ومعذرة في أني لا أكتب عنها إشادة وحضورا ونتاجا، فذلك يتطلب الكثير، لكني، وهي والله لا تدري، أكتب إستحقاقا لأقول: ألا تستحق نخلة العراق أن تكرّم من العراق؟ وأول التكريم شعرا وثقافة من وزارة الثقافة العراقية. وثاني التكريم وأكثره إستحقاقا أكاديميتها، فهي تعد من الرعيل الأول لدار المعلمين العالية، والرعيل الأول والرائد في الشعر العراقي والعربي المعاصر ومثال النبوغ والبروز منذ بداية خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم. إنها علامة من علامات التميز لجامعة بغداد في أول مراحل تأسيسها بل وقبل ذلك بقليل. ونرى، وندعو معنا من يرى أنها الجديرة بأن تمنح شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعتها الأم جامعة بغداد فتكرم وهي في سني عمرها المديد، ويكون لجامعة بغداد في ذلك سبق قيم وتميز في قيمة المُكرمين. إنها مناشدة موجهة لجامعة بغداد أولا، ونطلب إسنادها من جامعة ميسان كون لميعة ابنة ميسان أيضا وجذورها ضاربة في هذا الجزء من العراق العزيز وتأريخه الأصيل، وهي مناشدة تتطلب دعم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إشارة النباهة والتنبيه المعهودة من السيد الوزير علي الأديب.
بمثل هذا التكريم سيكون للميعة عباس عمارة شهادة وستكون لجامعتها شهادة، وكل يشهد بشهادته.
[email protected]