19 ديسمبر، 2024 10:50 م

لميعة عباس عمارة تنال الدكتوراه وهي في الحادية والتسعين من العمر

لميعة عباس عمارة تنال الدكتوراه وهي في الحادية والتسعين من العمر

لميعة عباس عمارة لمعة في الشعر والأدب ومحبة العراق والعروبة والإنسانية. شاعرة إحساس وموضوع بسحر كلمات تدخل القلب قراءة، فإن حضرت لها لقاءً لن يفارق بصرك النظر إليها إنشدادا لإلقائها وتعبيراتها. أطال الله الحي عمرها وعيشها اليوم بركن هادئ في ساندييغو بأمريكا، وهي وإن لم تكتب الشعر منذ زمن إلا أنك تجده محصورا في صدرها لا تخرجه لكثرة ما سببه لها من معاناة حسبما تقول.

ولم تتوقف لميعة عن العطاء في مجالسها وكتاباتها، فعادت وخدمت عائلتها الكبيرة، عائلة الصابئة المندائية، حين عكفت على إصدار أول مجلة مندائية عام 1990 باسم “المندائي”، وجعلت شقتها ورشة عمل أسرية لذلك، فأفادت كالعادة أهلها والآخرين بمزيد معرفة وإعلام في هذا الباب، كما حفزت مجلتها إصدارت أخرى عند الصابئة المندائيين. وظلت وإلى وقت قريب تكتب وتنشر مواضيع قيمة ومتنوعة في بعض وسائل الإعلام.

إلتقيتها عام 2015 في ساندييغو وكان لنا حوار مطول وثق فديويا، وبقيت أتواصل معها وأسأل عنها. وفي منتصف عام 2016 وصلني منها بريديا مسودات موضوع سبق وسعت لأن يكون مادة رسالة دكتوراه حين أرادت الدراسة في الكلية الفرنسية بباريس عام 1976 بتشجيع من رئيس قسم الأديان يومها البروفسور أندريه كاكو، وإختارت موضوعا حياتيا ضمن الدراسات الإنثروبولجية في ثقافة الطعام بعنوان “الطعام عند الصابئة المندائيين وعلاقته بالصحة والجمال” مستفيدة في ذلك من معايشتها لبيئة أهلها، خاصة وأنها قضت فترة طفولتها وصباها في بيت جدها لأمها في مدينة العمارة، وكان رجل دين مندائي فاضل بدرجة متقدمة “كنزبرا” فعايشت كل تفاصيل الطقوس الدينية والحياتية.

طلبت مني، بسبب ظروفها الصحية، أن أسهم معها في مراجعة ما كتبت، والسعي لإصداره ليكون مادة توثيقية يفيد منها الأبناء في معرفة جوانب في تراثهم، والمعنيين والمهتمين ضمن حقل الدراسات الإنثروبولوجية. أكبرت فيها هذا الإهتمام والحرص وهي في هذا العمر المتقدم، فقد وجدت أنها مازالت تقدم لنا الدرس في الحرص والعطاء، وأن قيمة الحياة إنما في النتاج والإسهام، ومتى توقف الإنسان عن ذلك مات وهو حي.

راجعت ما كتبت، ووجدت ثمة حاجة لخدمة الموضوع أكاديميا. ولصعوبات النظر إتفقت أن أجري معها إتصالات هاتفية وتسجيل الحديث ومن ثم تدوينه، فـكان بيننا أكثر من عشر ساعات من الإتصال حتى أصبحت مادته مكتملة لتكون أول دراسة في موضوعه على مستوى الصابئة المندائيين، ومبحثا مهما في الدراسات الإنثروبولوجية المندائية ضمن مجتمعها العراقي. والحق أنه مبحث أساسي يوثق فترة سابقة هي إمتداد لقرون عديدة في طعامها وشرابها وموادها وأدواتها، بقت كما هي لأن التغيرات في هذا الموضوع لم تكن كثيرة وكانت بطيئة إلى حد أنه يمكن الوقوف على تشابه رغيف خبز جلجامش مع فطير طقس الزواج عند الصابئة المندائيين إلى الآن. وربما حصل التغيير والتطوير بعد منتصف القرن العشرين تقريبا، فتغير الكثير من إلتزامات الصابئة المندائية بأنواع طعامهم، وسرى الأمر حتى في بعض جوانب الحلال والحرام منه. وهكذا كان التوثيق لما قبل هذه الفترة أمرا مهما يمكن الوقوف من خلاله وإعتماده شاهدا ومعرفة عن قرون عديدة خلت.

وحيث أن هذه الدراسة كانت أساسا مادة سعت فيها الأستاذة لميعة عباس عمارة للحصول على شهادة الدكتوراة بمتابعة وإشراف الدكتور كاكو الذي توفي عام 2005، وحيث أنها لم تكتمل حينها بأسباب وظروف الباحثة، فقد قيض لها اليوم أن تكتمل وترى النور بإشرافي. لقد اشتملت الدراسة على خمسة فصول تضمن الفصل الأول مدخلا عن ديانة الصابئة المندائية وأتباعها، والفصل الثاني طعام الصابئة المندائيين والحياة العامة، والفصل الثالث أنواع الأطعمة وموادها وأدواتها، والفصل الرابع الصوم والحلال والحرام وأطعمة الأعياد والمناسبات، والفصل الخامس الحالة العامة للصابئة المندائيين زمن الدراسة والزمن الحاضر. كما تضمنت الدراسة في ملاحقها نماذج لصور بعض المندائيين والمندائيات منذ بداية القرن العشرين وحتى منتصفه تظهر شكل وصحة المندائيين العامة، وقاموسا مصغرا لجميع المفردات المندائية التي تخص الطعام وأدواته ومواده كتب بالحرف المندائي مع الترجمة العربية والإنكليزية.

وعلى إثر إكتمال عملها ومناقشتها فيه، أبلغتها أن دراستها إستحقت نيل الدرجة بامتياز من الأكاديمة المندائية للدراسات المندائية عن بعد المسجلة في ألمانيا. وتكريما للأستاذة لميعة عباس عمارة فقد حظيت شهادتها بمباركة فضيلة رئيس طائفة الصابئة المندائيين الريش إما ستار جبار حلو لتكون أول شهادة تمنحها هذه الأكاديمية، كما تمت التوصية بطباعة الدراسة ونشرها.

نبارك للميعة عباس عمارة عمرها ونشاطها ونتاجها وشهادتها بكل إستحقاق.

أحدث المقالات

أحدث المقالات