18 ديسمبر، 2024 7:53 م

لمن يحلمون بالعودة

لمن يحلمون بالعودة

لم يعد المطلعون على الأحداث المتتالية في الساحة العراقية ولاسيما الأمنية، أن يصمتوا او يكتموا صرخة بملء فيهم، ينادون فيها كل ماسكي مفاصل البلد وأركانه الإدارية والأمنية والاقتصادية.. أن اتقوا الله في هذا البلد المعطاء الذي لم يبخل يوما على أبنائه وغير أبنائه، بالجود الوافر من أرضه -بماتحتها ومافوقها- ومن مائه بماحوته أنهاره داعيا الجميع من فيض كرمه لـ “تستخرجون حلية وتأكلون لحما طريا”. كذلك لم يعد العراقيون ينتظرون ممن أولوهم أحقية التحكم بمصيرهم ومستقبلهم وخيرات بلادهم، أن يجازوهم بما يحتم عليهم واجبهم المهني والأخلاقي والإنساني والوطني، وكما يقول مثلنا؛ “المعرّف مايتعرف”..! وفي السنوات التي أعقبت سقوط النظام السابق خير درس يضاف الى دروس العقود الأربعة الماضية، ان متقلدي المناصب الرفيعة في هذا البلد غير محصنين من عدوى الفساد والإفساد، سواء أكان مرضا أم عرضا أم طبعا من أطباعهم المتأصلة في نفوسهم! والأخير هذا لايمكن إخفاؤه مدة طويلة مهما تكلف الإنسان في ذلك، وقد قيل سابقا؛

 

الظلم طبعك والعفاف تكلف

 

 

والطبع أقوى والتكلف أضعف

 

وقد حملت السنوات الماضية طعما مريرا جدا، إذ صدم العراقيون -الشرفاء حصرا- بما لم يكن بحسبانهم المرور به، بعد أن مروا بظروف عسيرة ومريرة. فالذي بدر من عراقيين كانت لهم اليد الطولى في واجهة الساحة العراقية، كان مخجلا ومخزيا الى حد كبير. والأمر الذي لاينكر أن صدمة أغلب العراقيين كانت بخذلان ساسة وقادة، كانوا يعولون عليهم في بناء بلدهم والارتقاء به الى حيث مصاف الأمم المترفهة الى حد ما، ولكن واقعهم أفاقهم من حلمهم المشروع هذا، لاسيما حين رأوا مدن بلدهم وقراه تنحني أمام قوى ضالة، سخرتها جهات أكثر ضلالة وحقدا كانت قد أثبتتها في سجلها الحافل عبر تاريخ الأحداث. فما يحز في نفوس العراقيين، هو الحالات التي تصرف بها أبناء جلدتهم في بعض المحافظات التي فتحت أحضانها للقادم من وراء الحدود، مدججا بالحقد والضغينة والأفكار المريضة، لتطبيقها وتنفيذ آيات معتقدات بالية على العراقيين. والدور هنا يلعبه العراقيون المدركون لحقيقة هذه الجماعة، وحقيقة الدوافع من وراء قدومها الى هذه الرقعة من المعمورة.

 

العراقيون اليوم على أبواب طرد تنظيم إرهابي أهوج من أراضيهم، وهم مطالبون بالوقوف ليس أمام مايسمى داعش فقط، بل هم مطالبون باتخاذ موقف حازم وصارم إزاء آخرين لهم من الضرر مايفوق داعش، إذ لايخفى ان بعض المتشبثين ببقايا الروائح المتسربة من جسد النظام السابق المتفسخ، هم الذين يرحبون ويفرشون القلوب قبل البيوت أمام تنظيم إرهابي كداعش، أو غيره من الخارجين عن القانون والمطلوبين للقضاء العراقي، كما حصل في الموصل وبعض مدن صلاح الدين وديالى، بعد ان سبقتها أحداث الترحيب المشابهة في الأنبار، ومن المؤكد ان هؤلاء لهم سوابق وأصول ترفض الاجتثاث من تبعات الماضي، وهذا أمر لاأظن التعامل معه بطيب قلب يجدي نفعا بل على العكس، فالأفكار المعشعشة في رؤوس هؤلاء لاتمحى بالتهاون معهم، بل بإيقافهم عند الحدود التي وصلوها، وعزلهم عن المجتمع بعد إيغالهم في رفض مبادرات التسامح، وطي صفحات كان قد كتبها النظام السابق بحروف الكره والبغض والكراهية، مستغلا النفوس غير السوية في ترجمتها على أرض الواقع، وهم مازالوا يكتبونها ويقرأونها ويجترون العمل بها، ويتمنون ان يدخلوا باقي أفراد المجتمع في دوامتها، بغية العودة اللاشرعية الى أحلام العهد السابق، وإن حدث وعاد ذاك العهد، فإن كابوسا ثقيلا سيلقي بظلاله على الجميع.

[email protected]