17 نوفمبر، 2024 11:26 ص
Search
Close this search box.

لمن نكتب ومن يقرأ؟!

لمن نكتب ومن يقرأ؟!

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنطبق تسمية صاحبة الجلالة أو السلطة الرابعة على الصحافة بالوطن العربي والعراق منه طبعا!. لأن هذه التسمية تتوائم وترى نفسها وتأثيرها ووجودها الحقيقي في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية التي تعيش صحافتها وكل وسائل الأعلام فيها أجواء من الحرية المصانة ، فلا توجد خطوط حمر ولا خضر ولا صفر يمكن ان توقف أو تعرقل عملها ، وكل المعلومات متاحة أمام الصحفي للحصول عليها وفق الطرق القانونية والرسمية الصحيحة، وليس هناك شيء أسمه ممنوع على الصحفي!. فيمكن لمقال ينشر في هذه الصحيفة، أو عمود يكتب في تلك الصحيفة أن يهز أركان الحكم في تلك الدولة وتقوم الدنيا ولم تقعد فيها!. وياويل كل الويل من يمنع صحفي من أخذ المعلومة أو يتعرض له بأذى حتى ولو بكلمة أثناء قيامه يعمله!، فالصحافة هناك مقدسة مثل قدسية الأنسان وعليه فالصحفي يعيش ويشعر بالأحترام والتقدير والقدسية بلا عمامة أو جبة!!. يقول (توماس جيفرسون) الرئيس الثالث بتاريخ أمريكا: ((بأنه لو خير بين حكومة بلا صحافة وصحافة بلا حكومة لأختار الثانية!!))، وهذا يدل على مدى وأهمية وأحترام وتقدير الصحافة في العالم المتحضر والمتمدن. من جانب آخر أن الصحفي هناك يعمل بمهنية وأحترافية وبصدق وأخلاص وشعور وطني عالي من أجل الصالح العام، ولا يستغل عمله من أجل الأبتزار والتشهير والتسقيط وتلفيق الأكاذيب على هذا وذاك!، من أجل مصالح شخصية أو سياسية أو حزبية أو فئوية ضيقة!. عكس الصحافة بوطننا العربي الموبوء بحكم الأنظمة الديكتاتورية، التي كما تقيد الأنسان وتخنقه فأنها تقيد الصحافة وتجعل منها أبواق تطبل وتزمر وتكتب وتنشر وتمجد بسلطة الحاكم ليل نهار وبلا كلل أو ملل وكأنه نصف آله، كما عشنا ولمسنا ذلك حقبة النظام السابق ولمدة 35 سنة!. الشيء المهم في موضوع الصحافة، هو وجود من يقرأ ويسمع ما تكتب الصحافة وما تنشر، وخاصة من قبل المسؤول والحاكم والسياسي والوزير ومدير الدائرة والمؤوسسة وما الى ذلك من بقية المسؤولين، مهما كانت درجاتهم ومناصبهم ووضائفهم، ما دام الأمر يتعلق بمصلحة الوطن والشعب. في العراق ومن بعد الأحتلال الأمريكي له عام 2003 أنفتحت أبواب الصحافة على مصارعها، حتى صارت هناك أكثر من 100 صحيفة ومجلة كلها تكتب وتنشر عن أحداث العراق وكل ما يجري فيه مهما كانت تلك الأحداث صغيرة أم كبيرة، هذا ناهيك عن الفضائيات المحلية والعربية والدولية التي كانت ولا زالت تواكب وتغطي كل ما يجري بالعراق من أحداث. ولكن ماذا كانت النتيجة؟ وهنا يكمن السؤال، الجواب: لا شيء، فكله كان أستهلاك فكري ولساني وكلام جرايد ( وطك حنك) كما يقال ويضرب بالأمثال!. فليس كل ما يكتب هو مهم، بل المهم أن هناك من المسؤولين على أختلاف درجاتهم ووضائفهم ومناصبهم من يقرأ أو يسمع أو يتقبل ما تكتبه الصحافة وما تعرضه وسائل الأعلام والفضائيات، ما دام ما تكتبه يخدم الصالح العام ويصب في خدمة الوطن. وهنا لا بد من الأشارة بأنه لا ينكر بأننا لمسنا ووجدنا مساحة كبيرة من الحرية من بعد سقوط النظام السابق ولو أنها كانت أقرب الى الفوضى والأنفلات منها الى الحرية المعقولة والمنضبطة والمصانة!، وصحيح أن الصحافة وبقية وسائل الأعلام كان لها قسط ومساحة كبيرة ونصيب طيب من تلك الحرية، ولكن هل أستطاعت الأقلام الصحفية بكل ما كتبت وكذلك كل الندوات واللقاءات التي أجرتها الفضائيات وتجريها وباقي وسائل الأعلام منذ 2003 ولحد الآن أن تغير من الواقع العراقي المأزوم بكل ما يخطر ولا يخطر على بال من مشاكل وفوضى وفساد و و و ؟ الجواب كلا مع الأسف.فأذا كان النظام السابق المعروف بدكتاتوريته الشديدة والمقيته وكما قيل وشبهه عن دكتاتوريته، بأنه (قد وضع خرقة بأفواه الشعب العراقي حتى لا يتكلمون)!، فأن الطبقة السياسية التي قادت البلاد من بعد سقوط النظام السابق بكل أحزابها وزعاماتها، نزعت تلك الخرقة واللفافة من أفواه الشعب وجعلتهم يتكلمون وينتقدون ويصرخون ويشتمون حتى ولكن بلا فائدة!، فلم ولن تسمعهم لأنهم عندما رفعوا الخرقة من أفواه الناس، وضعوها في آذانهم أي في آذان مسؤولي الطبقة السياسية وحكامها وجعلوها وكما يقال في المثل ( وذن من طين ووذن من عجين) حتى لا يسمعوا وجع الناس وأنينهم وشكواهم!، فبقت أحوال الناس وحال العراق، كما كان عليه حقبة النظام السابق بل زادت وصارت أكثر سوء، فلم يتغير أي شيء وسوف لن يتغير أبدا حتى على المنظور البعيد وسيبقى الحال كما هو عليه!!. فلا أحد يقرأ ولا أحد يسمع من المسؤولين ما تكتبه الصحافة وما تقدمه وتعرضه الفضائيات من برامج ومشاهدات يومية تصور واقع العراق البائس، وأن صادف أن قرأ هذا المسؤول وذاك الوزير مقال في هذه الجريدة وعمودا صحفيا بتلك الجريدة، فلن يتأثر ولا يهتم بما يقرأ!، بل هو يقرأه من باب الأطلاع ليس ألا!. فكلمات الكاتب والصحفي ولغة مقدم البرنامج لا تأثير لها، ولا توخزوتوقض ضمير، ليس لضعفها ولعدم مصداقيتها، بل لعدم وطنية المسؤول و موت ضميره، حتى جفت أقلام الصحفيين وبحت أصوات مقدمي البرامج والفضائيات وبلا أية نتيجة وفائدة تذكر، فتفاقمت الأزمات وزادت وكبرت وأتسعت رقعة الفساد وعم الخراب كل شيء، حتى ضاقت الأرض بالعراقيين بما رحبت ووسعت! فالعراق ومع الأسف يسير نحو الأسوء وينحدر نحو الأسفل في كل يوم!. نعود بالقول ونؤكد، هو أن الغاية ليس فيما تكتبه الصحافة وينشر، الغاية والأهم أن هناك من يقرأ ويسمع ويعمل على معالجة الخلل والخطأ. وأعتقد أن سياسة القبول بالأمر الواقع التي أنتهجتها كل الحكومات التي قادت البلاد من بعد 2003 ولحد الآن، جعلت من الصحافة وباقي وسائل الأعلام من فضائيات وغيرها وبكل منتسبيها مصدر للعيش لا أكثر!، وليس كسلطة رابعة حقيقية كما يقال عنها، يمكن لها أن تشارك في هذا الحدث وذاك ولها تأثيرها في صنع القرار وفي تغيير ما يمكن تغييره!. فليدلني أحد أن تغييرا حدث وخللا قد تم تصحيحه بهذه الوزارة وتلك أستجابة لمقال كتب في هذه الجريدة أو بسبب عمود صحفي كتبه أحد الصحفيين؟!. فعلى سبيل المثال لا الحصر: كم من أقلام كتبت، وكم من أساتذة وأصحاب أختصاص أقتصاديين وغيرهم أشاروا ونبهوا الى خطورة الوضع الأقتصادي الكارثي الرهيب الذي يعيشه العراق وقدموا الحلول لذلك، ولكن لا أحد سمع ويسمع، حتى نقلت الأخبار بأن العجز في موازنة 2020 وصل الى أكثر من 73 ترليون دينار!، فأي كارثة ستحل بالعراق وشعبه؟!. كما وصل الأهمال والفساد وساد كل مرافق الدولة ووزاراتها وقطاعاتها، وكم من مئات بل آلاف المقالات الصحفية ومثلها من ندوات ولقاءات على الفضائيات، أشارت بأن الفساد سيدمر ويقضي على كل شيء، ولكن لا أحد يسمع!. فلا يمر يوم ألا وتسمع عن خبر فيه من الغرابة مالم تسمع به من قبل في كل العالم!، خبر بقدر ما يثير الحزن يثير الضحك أيضا!، كما في الخبر الذي تناقلته قبل أيام، الكثير من وسائل الأعلام ومواقع التواصل الأجتماعي بالصوت والصورة!، عن الطائرة العراقية التي وصلت الى مطار قرطاج في تونس، ولكنها رفضت نقل 180 مسافر عراقي كانوا بأنتظارها في المطار، يسبب نقص في الوقود؟! ونقلت الأخبار عن مطالبة طاقم الطائرة من المسافرين جمع مبلغ 3000 دولار لمليء خزان الطائرة بالوقود!؟ وغيرها الكثير من الحوادث الغريبة التي تؤشر على عمق الأهمال والفساد والخراب وعدم الشعور بالمسؤولية الذي تعيشه غالبية وزارات ودوائر الدولة وقطاعاتها!. فلم تعد الكتابة تجدي نفعا مهما كتبت ومهما كانت أقلام كتابها وأسمائهم وعناوينهم ومناصبهم، فأصبح الكتاب والصحفييون والأعلامييون هم وحدهم يقرأون ويسمعون صدى ما يكتبون وينشرون، لأنهم في واد والدولة والحكومة ومسؤوليها في واد آخر!. ولا حول ولا قوة ألا بالله العلي العظيم.

أحدث المقالات