في الثامن من تشرين الثاني عام 2016 اي بعد اقل من 60 يوما سيتجه الامريكيون لاختيار ادارة جديدة وستفتح ابواب البيت الابيض لاستقبال الرئيس الخامس والاربعون منذ تأسيس الولايات المتحدة الامريكية . مع اقتراب ذلك اليوم تبداء الانظار بالتوجه الى العاصمة في محاولة لاستقراء الملامح العامة التي تحدد من هو القادم الجديد وتتضارب التوقعات التي تقودها الاتجاهات الفكرية والتي ترشح تارة هذا المرشح او ذاك تارة اخرى . وحتى هذه اللحظة وبالرغم من وجود متنافسين اخرين الا ان التوقعات تنحصر بين مرشح الحزب الديمقراطي هيلاري كلنتون والتي سبق لها الاقامة في البيت الابيض بصفتها السيدة الاولى لفترتين رئاسيتين في عهد زوجها الرئيس السابق بيل كلنتون وبين مرشح الحزب الجمهوري الملياردير ورجل العقارات دونالد ترامب الذي تمكن بصورة غير متوقعه من التغلب على كافة منافسية ممن سبقه في عالم السياسة واخرجهم خارج حلبة السباق للحصول على بطاقة الترشح عن الحزب وان يجبر صقور الحزب الجمهوري على اختياره مرشحا للانتخابات الرئاسية .
حتى هذه اللحظة فان استطلاعات الرأي التي دابت كبريات المراكز البحثية على اقامتها منحت الاسبقية وان كانت ضئيلة للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون الان ان الماكنة الاعلامية لدونالد ترامب تمكنت من عكس هذا التوجه ليحصل على نقاط اكبر خلال الاسابيع القليلة الماضية جعلته يتساوى في الاستطلاعات مع منافسته العنيدة . من منطلق هذا التنافس الحاد بين المرشحين فان المراقبين ومن خلال مراجعة الدورات الانتاخبية السبع والخمسين التي جرت منذ تاسيس الولايات المتحدة الامريكية تمكنوا من وضع قواعد عامة يمكن من خلالها تحديد المرشح الاوفر حظا في طرق بوابات البيت الابيض والجلوس على مقعد المكتب البيضاوي .
اولى تلك القواعد تتعلق بالادارة السابقه هل هي جمهورية او ديمقراطية وهل تورطت تلك الادارة في فضائح شخصية او سياسية او اقتصادية على سبيل المثال فان الفضيحة الجنسية التي تورط بها الرئيس الديمقراطي بيل كلنتون ساهمت بصورة كبيرة في وصول الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن الى سدة الرئاسة بعد ان نجحت الماكنة الاعلامية في تقديمه بصفته مسيحيا ملتزما وزوجا مخلصا كما ان نجاح الادارة في تحقيق نصر عسكري يعتبر من العوامل المهمة في تحديد الرئيس القادم فحرب جورج بوش في العراق وفي افغانستان منحته اربعة سنوات اضافية في البيت الابيض وكذلك فان نجاح ادارة السياسات الخارجية بما يحقق المصالح العليا للولايات المتحدة الامريكية تعتبر من العوامل المهمة في تحديد الرئيس القادم فالنجاحات التي حققتها ادارة رونالد ريغن الجمهورية على الصعيد الدولي ونجاحها في تحييد دور الاتحاد السوفيتي السابق خلال الثمانينيات منحت الرئاسة للمرشح الجمهوري جورج بوش الاب . وباخذ هذه القاعدة في الحسبان يمكن ان نلاحظ بان ادارة الرئيس اوباما الديمقراطية لم تتعرض لاي فضيحة شخصية او سياسية وهذا يصب في صالح مرشحة الحزب الديمقراطي التي اعلن اوباما دعمه لها في مواجهة ترامب ولكن من ناحية اخرى لم تتمكن ادارة اوباما من تحقيق نصر عسكري كبير ولم تحقق اي تقدم يذكر في محاربة الارهاب او القضاء على خطر التنظيمات الارهابية التي تمكنت خلال السنوات الاربع السابقة من ان يكون لها تواجد حقيقي على الارض في مناطق واسعة من العراق وسوريا وكذلك تعثرت جهود الادارة الامريكية في اجراء تغيير على الساحة السورية بسبب الدخول الروسي على خط المواجهة .
القاعدة الثانية تتعلق بالحزب الذي ينتمي له المرشح ومدى نجاحه في الحصول على مقاعد اكبر في انتخابات التجديد النصفي الاخيرة لمجلس النواب فتلك النجاحات تعكس الراي العام للناخب الامريكي وتوجهاته الفكرية واهتماماته اليومية بالاضافة الى مدى التفاف الحزب حول مرشحه . فعلى الرغم من حصول دونالد ترامب على بطاقة الترشيح الجمهورية الا ان فوزه هذا كان اقل مايمكن القول عنه انه كان غير مرحبا به من قبل كثير من صقور الجمهوريين الذي مازالوا يعتبرون دونالد ترامب مجرد مليونير فوضوي وخير دليل على ذلك ماحصل في المؤتمر الانتخابي للحزب الجمهوري الذي شهد مغادرة قادة اليمين الديني في الحزب لقاعة المؤتمر ورفض العديد من قادة الحزب تاييد المرشح وكان ترشيحه في النهاية نتيجة لشعور ساد بقية الاعضاء بانه لايوجد خيار اخر بعد ان نجح ترامب في ازاحة بقية الساعين للترشيح وقد ادى هذا الاختلاف في الحزب الجمهوري الى ظهور مرشح اخر من الحزب الجمهوري ولكنه قدم نفسه باعتباره مرشح مستقل هو عميل السي اي اي السابق ايفان مكميلن مما سيؤثر على حظوظ المرشح الجمهوري في الانتخابات القادمة , من جهة اخرى حضيت هيلاري كلنتون بدعم كبير من قادة الحزب الديمقراطي بالرغم من الاعتراضات التي واجهتها في اول يوم من المؤتمر الذي عقده الحزب الديمقراطي من قبل مؤيدي (بيرني ساندرز ) الذي كان يسعى للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي وصاحب الشعبية الكبيرة بين انصار الحزب الديمقراطي الا ان تمكن كلينتون من التوصل الى تفاهم مع ساندرز وبتاثير من الرئيس اوباما مكنها من الحصول على تأييد انصاره في اليوم الرابع من المؤتمر .
القاعدة الثالثة في تحديد المرشح الاوفر حظا في الانتخابات في تلك المتعلقة بشخصية المرشح ذاته وخلفيته السياسية والشخصية وقدرته في ايصال رسالته الى الناخبين فقد سبق وراينا كيف تمكنت الشخصية الكارزماتية لبيل كلنتون من التغلب على التاريخ الحربي لبطل حرب فيتنام الجمهوري ماكين وفي هذا السياق نرى ان دونالد ترامب قد قام بتوجيه حملته الانتخابية والته الاعلامية على التركيز على نجاحاته الاقتصادية واثارة الخوف بين الناخبين الامريكان البيض من ضياع الرئاسة منهم لثمان سنوات قادمة بعد ان فقدوها لصالح المرشح الاسود سابقا ومستغلا في ذلك امكانياته في تقديم نفسة بصورة الرجل الامريكي الابيض الاعتيادي الذي من الممكن ان تصادفه في الشارع او الحانه والذي يظهر في حلبة المصارعة الامريكية ليتبادل الضربات مع المصارعين والذي يتزوج من فتاة جميلة مع علمه بانها سبق لها نشر صور عارية على صفحات المجلات وبصورة الرجل الذي خرج من بين طبقات المجتمع ليحقق نجاحات اقتصادية في حين ركزت المرشحة الديمقراطية على ان الوقت قد حان لايصال المرأة الى المكتب البيضاوي بعد ان كان هذا المنصب حكرا على الرجال مركزة في الوقت ذاته على خبرتها الكبيرة والطويلة في التعامل مع المشاكل السياسية الداخلية والخارجية في مواجه انعدام الخبرة لدى منافسها من الحزب الجمهوري في هذا المجال .
القاعدة الرابعة في الانتخابات الامريكية هو المزاج العام للناخب الامريكي واهتماماته اليومية فنرى ان حملة الجمهوري دونالد ترامب قد ركزت على اثارة الخوف لدى الناخب الامريكي من خسارة مكانتهم الاقتصادية والاجتماعية والمخاطر الذي يتعرض له المجتمع الامريكي من الاجانب وخصوصا المهاجرين المكسيكيين والمسلمين وخطر استفحال الجريمة والارهاب وتراجع الدور الامريكي الخارجي واهمية فرض.
الهيبة الامريكية مرة اخرى وهو السلاح الذي سبق ان استخدمته الدعاية الجمهورية بنجاح في ايصال مرشحها رونالد ريغان في مواجهة الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر مستغلة فشل الاخير في معالجة ازمة الرهائن الامريكيين في طهران وقد نجح هذا التوجه في كسب تأييد الناخبين في ولايتين تعتبران من معاقل الديمقراطيين هما بنسلفانيا واوهايو بالا ضافة الى الحصول على اصوات كبيرة في بقية المعاقل الديمقراطية مثل ويسكونسن وميتشغن كذلك تمكن من الحصول على تأييد صناع السلاح الامريكيين وجمعيات الاسلحة الامريكية برفضه اي تقييد لحرية حمل السلاح وهي المجموعات التي ساهمت في ترجيح كفة جورج بوش الابن في مواجهة الديمقراطي ال غور عام 2000 . من ناحية اخرى ركزت حملة الديمقراطية هيلاري كلنتون على اقتراح حلول عملية للمشاكل القائمة لتوفير فرص عمل افضل وتحسين مستوى المعيشة والالتزام بعدم خوض مزيد من الحروب وهو نفس التكتيك الذي اتبعه زوجها بيل كلنتون في حرمان جورج بوش الاب من الحصول على ولاية ثانية والتي حاول فيها التعكز على انتصاره في حرب الكويت الا ان حملة الدعاية الديمقراطية قلبت هذا السلاح ضدة بالتركيز على الاضرار الاقتصادية التي الحقتها سياسيات الادارة الجمهورية بالناخب الامريكي .
بتحليل القواعد السابقة نجد ان ثلاث منها تصب في صالح المرشح الديمقراطي السيدة هيلاري كلنتون فهي تستفيد من كون ادارة الرئيس اوباما الديمقراطية قد قادت البلاد لمدة ثمان سنوات دون حصول هزات او فضائح كبيرة بالاضافة الى نجاح تلك الادارة في تحسين الاقتصاد الامريكي الذي تعرض لهزات عنيفة اثناء قيادة ادارة الرئيس جورج بوش الابن الجمهورية بالاضافة الى الدعم الكامل الذي حصلت عليه كلنتون من اركان حزبها يضاف اليها الخبرة التي تملكها كلنتون والتي حصلت عليها من المناصب التي شغلتها في الكونغرس أو في السياسة الخارجية كوزيرة للخارجية الأمريكية، إضافة إلى محاولتها خوض الانتخابات الرئاسية والحصول على تأييد الحزب الديمقراطي في الانتخابات التي فاز فيها السيد أوباما برئاسة الولايات المتحدة في فترته الرئاسية الأولى، مما أعطاها خبرة عملية بالنسبة للانتخابات الأمريكية ويضاف إلى ذلك بطبيعة الحال كونها السيدة الأولى للولايات المتحدة خلال تولي زوجها بيل كلينتون للرئاسة، وتجمع بذلك السيدة كلينتون بين الممارسة السياسية والخبرة العملية وأيضاً الثروة، إضافة إلى كونها شخصية معروفة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية ككل .
بالنسبة للمرشح الجمهوري دونالد ترامب فانه يركز على تحقيق التقدم من خلال القاعدة الرابعة وهي المزاج العام للناخب الامريكي والذي يتطلع الى التغيير وتجديد الدماء التي تجري في عروق السلطة الحاكمة في العاصمة واشنطن من خلال ضخ دماء جديدة لم تشترك في تداعيات الماضي والتي تميل الى القاء اللوم على التحديات الخارجية لذلك يصبح ترامب بطريقته في التعامل مع تلك التحديات اقرب الى نبض الشارع الامريكي من كلنتون التي تميل الى التركيز على الجانب العملي في ايجاد الحلول بدلا من الخطاب العاطفي.
ادراكا لقيادة حملة ترامب لنقاط القوة والضعف في مواجهة المرشح الديمقراطي فقد تم التركيز على استثارة مشاعر الرجال البيض بالخوف من فقدان السلطة التي تمتعوا بها منذ ولادة الولايات المتحدة الامريكية كذلك يتم التركيز على ان هيلاري كلنتون سبق وان ايدت الحرب على العراق وبالتالي فهي قد تنفذ أعمالا عسكرية في حال انتخابها وكذلك التركيز على التحقيقات التي تخضع لها كلنتون في قضية الرسائل الاليكترونية وكذلك التحقيقات في موضوع الهجوم على السفارة الامريكية في ليبيا الذي حصل اثناء تولي
كلنتون حقيبة الخارجية وكذلك اعادة التذكير في ملف قضية فضيحة وايت ووتر التي ذكر فيها اسم هيلاري كلنتون . من جهة اخرى فان حملة كلنتون تركز على انعدام خبرة ترامب في ادارة الدولة وعدم طرحه لاية حلول عملية للمشاكل التي تواجه الولايات المتحدة الامريكية .
مما تقدم ممكن القول ان السبق لحد الان معقود لهيلاري كلنتون بالرغم من تأثر هذا السبق بما اعلنه تقرير مكتب التحقيقات الفدرالية في قضية الرسائل الاليكترونية واشارته الى ان هيلاري كلنتون تعاني من ضعف جزئي في الذاكرة مما رفع من اسهم المرشح الجمهوري . الا ان هذا السبق الحالي يجب ان لايجعلنا ننسى العامل الحاسم وهو مفاجئة الاسابيع الاخيرة والذي ممن الممكن ان يقلب الموازين بصورة كبيرة والذي طالما لعب دورا كبيرا في حسم السباق الرئاسي وهذا العامل قد يظهر على شكل تسجيلات صوتية او فديوية او سجلات ضريبية وحتى حالات صحية وهذه قد تقلب الموازين لصالح احد المرشحين .