23 ديسمبر، 2024 9:41 ص

لمن تقرع الطبول؟؟!!

لمن تقرع الطبول؟؟!!

يقال في لغة السياسة وعند الأزمات : دقت طبول الحرب ، أو قرعت طبول الحرب وهما يؤديان المعنى نفسه في لغة تصعيد الحروب والأزمات، وهو يعني بداية اعلان حالة الحرب او الإستعداد لها في كل مراحل التاريخ البشري وحضاراته القديمة والحديثة.

وما يمكن ان يكون مثالا خصبا لحاضرنا هذه الأيام ، مايحدث من تصعيد بالغ الخطورة بين الولايات المتحدة وايران وتوجه قاذفات بي 52 الستراتيجية الى قاعدة العديد القطرية وسفن حربية تحمل صواريخ باتريوت ومعدات عسكرية متطورة، إنما هو تهيئة لفصول حرب ، يتم التلويح بها، ويطلق عليها في المفهوم السياسي (دق طبول الحرب) ، ما يعني صحة ما نشير اليه من ان طبول الحرب تقرع على أبواب المنطقة، وسوف لن يكون العراق في كل الاحوال بمنأى عن آثار تلك الحرب إن وقعت بالفعل، دون ان يتم تفادي عواقبها باللجوء الى الحوار، وقد تذعن طهران في نهاية المطاف، إن وجدت أن الامور تسير في غير صالحها، وقد سهل الرئيس الامريكي على حكام طهران تلك المهمة بأن زودهم برقم هاتفه الشخصي عبر سفارة سويسرا في طهران التي ترعى المصالح الامريكية منذ عقود، إن ارادوا تجنيب بلدهم ودول المنطقة ويلات الحروب!!

وسنضع بين أيديكم دلالات إستخدام هذا المصطلح عبر العصور التاريخية الموغلة في القدم ، وكيف جرت العادة بشأن إستخدام هذا المصطلح، (قرع طبول الحرب) توضيحا للفائدة!!

يقال أنه في الحروب القديمة ، كانت هناك فرق «الطبلجية» هي من تحفز المحاربين للتوجه الى جبهات القتال او الاستعداد للطواريء، وفي حالات الفرح كانت تلك الطبول تحرك القلوب وتسيل دموع الفرح، ولهذا فأنها تستخدم في السلم والحرب على السواء!!

يذكر أنه في محافظة الانبار وحين كانت تسمى لواء الدليم، كان هناك مثل معروف عن (الطبل) لدى أهل الأنبار مضمونه (على حس الطبل خفن يرجليه)..والمثل يمكن استخدامه فعلا في حالات الفرح والسلم الاهلي وكذلك عند التهيئة للحروب وبخاصة في المواجهات التي تحدث سواء مع إسرائيل في السابق والحرب مع ايران في الثمانينات، إذ كان الطبل حاضرا في كل الاغاني الوطنية ، وفي دبكات الأعراس والمناسبات، ويكون في أفضل حالاته مع (رقصة الجوبية) التي يجيد أهل الانبار فصولها، وهم من لهم القدح المعلى في تقديم هذا الفن الشعبي الذي يطرب الاسماع، في دبكات تكاد تصل جمهورها الى أشد حالات الفرح والابتهاج والشعور بالزهو والقوة والمنعة ، وبأن الانسان في لحظات كهذه يشعر انه وقد امتلك الدنيا وما فيها، وبخاصة اذا ما حضرت غزلان المها، وهن يطربن الاسماع لتصول روعة الرقصات الى أقصاها!!

وقد كان هذا الفن الشعبي (دق الطبول) شائعا لدى قدماء السومريين والبابليين وقدامى المصريين منذ أكثر من ستمئة ألف عام ، وله منزلة خاصة في حياة هذه الحضارة العريقة، وكانت الطبول تقرع في بيوت الحكمة وفي الهياكل الدينية، ويعد قرع الطبول من وجهة نظر السومريين والبابليين هيبة لدى شعوبهم في ان بمقدورهم ان يفرضوا سيطرتهم عليها في حروبهم وعند اشتداد الوغى.

وتضرب صناعة الطبول ، وهي من خشب السدر ، في جذور التاريخ، وبخاصة لدى الفراعنة، الذين اشتهروا بصناعتها ، إذ إن المصريين القدماء اعتقدوا دوماً أن إيقاع وصوت الطبول يحفز العقل والجسم ويحثهما على الإبداع، فقد بنيت معظم المعمار الفرعوني الذي أدهش العالم كله حتى اليوم، والذي يصعب فك شفرة أسراره.. بني على إيقاعات قرع الطبول التي اشتهر بها الفراعنة، وكانت علم يدرس في المعابد الفرعونية القديمة.

وفي أميركا اللاتينية يعتبر قرع الطبول نذيرا بالحرب والسلم كذلك ً، وهي تعكس نوع فن الموسيقى في الحضارة الأميركية اللاتينية، وأشهر أنواع الطبول هناك هي طبول «البونجو»، وبجانبها الدفوف العملاقة لضبط الإيقاع.

ويقال ان للقبائل الإفريقية القديمة علاقة مع الطبول وحكايات وتاريخ طويل ، فالطبول وأكواخ الخيزوران الإفريقي القديم يعكسان عادات وتقاليد شعوب القارة السوداء !!

وللطبلة جسم يشبه الاسطوانة المفتوحة الطرفين ولكن لبعضها جسم يشبه الغلاية، وتغطي الفتحة بغطاء رهيف يمتد ويشد على الفتحة بإحكام ويسمى جلد الطبل، ويصنع عادة من جلد العجل أو اللدائن، وللطبلة الاسطوانية جلدان على الجانبين، بينما تغطي الطبلة شبيهة الغلاية بجلدة واحدة وفي الحضارات القديمة كان يستخدم جلد الثور والماعز.

وتتعدد أحجام وأشكال الطبول، وتتعدد مسمياتها فمنها الرحماني والرنة والكاسر والمرواس، وجميعها مسميات عربية على امتداد العالم العربي.

وما يزال إيقاع طبلة المسحرجي في شهر رمضان المبارك، في معظم بلداننا العربية ، عندما يطوف الحارات والشوارع ، والاطفال يغنون على انغامه اغاني رمضانية جميلة، ويستخدم بكثرة في الأعراس، لاضافة معالم الفرح والمتعة على تلك الحفلات!!

وسيظل الملايين في مختلف بقاع العالم يحلمون بيوم تدق فيه الطبول ، لا لكي تقرع طبول الحرب ، بل لتعلن موسيقاها الصاخبة ، لغة سلام ومحبة تنعم بها البشرية جمعاء ، وهم يودعون إيقاعات الحروب وويلاتها ومصائبها وملامح العنف وقسوة البشر على البشر الى غير رجعة!!