ان الألمام بأبعاد ومضامين السيرة العطرة لحياة الأمام علي ع فذلك ضرب من المحال . ومما زاد في اهمية سيرته تلك الاضفاءات الرائدة على سيرته العطرة كونها سيرة شاركت في صنعها ثلاث ارادات : ارادة الله في اختيار خلقه ، وارادة النبي ص في شد عضده ، وارادة الامام نفسه ، فتفاعلت تلك الارادات الثلاث لتصنع سيرة الامام ع المتفردة . ومع ان سيرة الامام تتناغم مع سيرة الانبياء لقوله ص ( من اراد ان ينظر الى ابراهيم في حلمه والى نوح في حكمه والى يوسف في جماله فلينظر الى علي بن ابي طالب . ولو وقفنا برهة على النص الاتي لما تملكنا مشاعرنا وتحكّمنا في مآقي عيوننا ، هذا النص الذي قيل امام المخاصم الاول للامام علي ، معاوية بن ابي سفيان من قبل ( ضرار بن ضمرة الضبابي ) قال له معاوية ياضرار صف لنا عليا ، قال ضرار )☺ كان والله امير المؤمنين طويل المدى ، شديد القوى ، كثير الفكرة ، غزير العبرة ، يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه وتنطلق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته ، كان فينا كأحدنا ، يجيبنا اذا دعوناه ويعطينا اذا سألناه ، ونحن والله مع قربه لانكلمه لهيبته ولاندنو منه تعظيما له ، يحب المساكين ، لقد رايته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يبكي بكاء الحزين ويقول يادنيا اليك عني غرّي غيري لاحاجة لي فيك فعيشك قصير وخطرك يسير وأملك حقير .. آهٍ من قلّة الزاد وبعد السفر وعظيم المورد … ) . وهكذا شخصية بهذه المواصفات بقدر ماتجعل الباحث متشوقا الى خوض غمارها والغوص في اعماقها ، بقدر مايكون متهيبا من ولوجها خشية عجزه عن رفدها بما تستحق … والدليل على ذلك عجز الباحثون وتعذر عليهم الالمام العميق بمكنونات سيرة شخصية الامام التي أثرت بصورة واخرى في المنحى الانساني العالمي وهذا ما اشار اليه الكاتب عباس محمود العقاد بقوله ( في كل ناحية من نواحي النفوس الانسانية يلتقي بسيرة الامام علي ع لان هذه السيرة تخاطب الانسان حيثما اتجه اليه الخطاب البليغ البشري من ضروب العطف ومواقع العبرة والتأمّل ) … ووقفة سريعة على جذور الانتساب يتراءى امامنا عمق الاصول التي ينتمي اليها الامام ع ، فقد جمع الامام المجد من اصوله قبل فروعه فالاصل اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليهما السلام … والغصن الذي نما بين جوانحه هم بنو هاشم الذين وصفهم الجاحظ وقال عنهم ( انهم ملح الارض وزينة الدنيا والسنام الاضخم والكاهل الاعظم ولباب كل جوهر كريم والطينة البضاء والغرس المبارك ومعدن الفهم وينبوع العلم ….. ) فالجد الاكبر هو هاشم ، تألّق المجد بين يديه وتنامى نبل الاخلاق في بيئته وطهارة الضمير في خلجاته وترامت المواقف الانسانية في صومعته فنال العز والسؤدد في اروع الصور . وكان الاب ابو طالب عبد مناف شيخ البطحاء وعنوان المجد وسادن الكعبة وساقي العطاشى من بئر السماء ( زمزم ) وناصر الصادق الامين ص في دعوة التوحيد والايمان وواهب النبي محمد ص القوة بحمايته من زمرة الكفار والالحاد .. وحين نقف متفحصين سيرة الامام تتجسد امامنا صورة انسانية مشرقة من حيث العدل والمساواة بين الناس وصولا الى تحقيق العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع قائم على العدل والتوازن ..
لقد اصبحت سيرة الامام علي ع دروسا يُقتدى بها على مر العصور والازمان .. وان القاصي والداني عرف فضل الامام ، حتى الغربيين من غير المسلمين فقد انصفوه واعطوه حقه … فما بال امة ابن عمه محمد ص والذين يدّعون انهم من انصاره واتباعه فقد ظلموا ونهبوا وسرقوا وعاثوا فسادا بأسمه .. في حين ان دولة الامام تقوم على حسن اختيار المسؤول لحاشيته وعدم الانجرار وراء المغريات التي يسيل لها اللعاب .. ان دولة الامام تعتمد على انسانية الانسان وكرامته وهذا يحتاج الى الاصرار على مناصرة الحق ومخالفة الاهواء البشرية .. والسؤال هنا الينا جميعا : هل استوعبنا وفهمنا وتعلمنا نهج الامام علي ع وهل سرنا على ذلك النهج العادل الانساني ؟؟؟ الجواب اتركه للمتصدين للعملية السياسية والذين يلهجون باسم الامام علي عليه السلام ويدّعون بأنهم من أتباعه وأنصاره ومحبّيه …..
السلام عليكم
….