11 أبريل، 2024 10:17 ص
Search
Close this search box.

لمــاذا يقاطعــون ؟ المقاطعة والمناكفة

Facebook
Twitter
LinkedIn

هناك حراك كبير من مختلف الإتجاهات الدينية والسياسية والإجتماعية لمقاطعة الإنتخابات البرلمانية في مايس 2018م ولعلها الدعوة الأقوى منذ 2005م ولغاية إنتخابات 2018م ؛ في عام 2005م حين أمتنع غالبية العرب السنّة عن المشاركة في الاستفتاء الذي أجري على الدستور العراقي الحاليّ في حينه ؛ وعدا هذه الحادثة لم تكن هناك أيّ مقاطعة حقيقية للإنتخابات في الـ12 سنة الماضية إلا الدعوة الحالية للمقاطعة الإنتخابات القادمة وعدم المشاركة فيها والتي تتميز هذه المرة بأن الداعين لها من مختلف مكونات الشعب العراقي بما فيهم (السُنة والشيعة والكرد) وكذلك أفتى بمقاطعتها بعض مراجع الشيعة (جواد الخالصي و فاضل المالكي) وبعض علماء السُنة (الشيخ عبدالملك السعدي) وهذه تحدث للمرة الأولى في العراق المعاصر . الأمر الذي جعل الناخبين في العراق مذبذبين في خياراتهم بين المشاركة في الإنتخابات أو العزوف عنها ؛ لكن ما هي (دوافع) هذا (الرفض) والإمتناع عن المشاركة في رسم مستقبل العراق عبر إختيار مرشحيهم وماذا يمكن أن تحقق هذه المقاطعة ؟! .
لعل الدافع الأول الذي يدفع الناس (الناخبين) نحو العزوف عن المشاركة في الإنتخابات هو (اليأس وفقدان الثقة بعملية الإنتخابات وعدم مصداقيتها) حيث أن تكرار الفشل في إنتخابات 2005 و 2010 و2014 هو السبب الأول لفقدان الثقة فالكثير من الجماهير (السنية) يعتقدون أن أوضاعهم زادت سوءاً في كل مرة حتى إنتهى الأمر إلى نزوح الملايين من مدنهم وقراهم التي دمرت وأحرقت وزداد عدد معتقليهم ولم ينقص (قل عدد المعتقلين الرسميين وزاد عدد المختطفين والمغيبين الغير رسميين) وهناك أكثرمن 7000 مختطف من شتى مناطق العراق! لا أحد يعرف مصيرهم لحد الآن ؛ وهناك من الجماهير (الشيعية) من يعتقدون أنهم أزدادو بأساً وتخلف وزادت البطالة وأنخفضت الخدمات والرعاية الصحية وزادت الاسعار بعد أن كانوا يمنون أنفسهم بالتعين والعمل والرفاهية . وهناك الكثير من المواطنين الناقمين على فشل وفساد الحكومات المتعاقبة وكذلك البرلمانات الفاشلة والضعيفة وذات الشيء بالنسبة لبعض المناطق الكردستانية فهي مشمولة بالبطالة وفساد الحكومات وضعف الخدمات وغلاء الأسعار كل الحكومات الفاسدة التي أفرزتها (برلمانات الصدمة) التي أنتجتها (أنتخابات الفشل) أنتجت كلمة تدور في ذهن الكثير من المواطنيين (لا فائدة) طالما لا تغيير.
لكن هل هذا هو السبب الوحيد لعزوف الناس عن الأنتخابات وموت الأمل في التغيير؟
الحقيقة أن أحزاب السلطة الكبيرة بمشاريعها الطائفية والعرقية وشخصياتها التي ثبت فشلها وفسادها هي السائدة في مشهد الإنتخابات القادمة لم تتغير(حسب ما تصرح بها مفوضية الإنتخابات) لذا فإن نتائج الإنتخابات القادمة هي الأخرى لن تتغير! فما الفائدة من الإنتخابات القادمة إذا كانت ستكرس الواقع الحالي وتجذره لربع سنوات قادمة أخرى؟!. فكأن لسان حالهم يقول (الشر الذي تعرفه خير من الخير الذي لا تعرفه)ٍ وطالما لا وجود أمل في التغيير فعلام المشاركة إذن ؟!.
ومن أسباب عزوف الناس عن المشاركة عـدم وجود حزب أو تيار جديد يتبنى (مشروع جديد) بل حتى قسم من الأحزاب الجديدة أنضوت تحت أجناحة الأحزاب القديمة بمشاريعها التي نبذها العراقيون بما فيها وبما أنتجت من طائفية وفساد فكيف يمكن أن يثق الناس بالفرع وهو لا يثق بالأصل؟! ؛ أما المشاريع السياسية التي يمكن أن تتصف بالمدنية أو العلمانية فهي أما ضعيفة أو غير واضحة أو خجلة من إنتمائها وعقيدتها وهي الأخرى متناثرة ومنقسمة رغم ضعفها ولم ينجحوا في تكوين (تيارمدني) واحد يؤسس (لمشروع مدني واحد) يمكنه أن يقف في مواجهة التيارات الدينية والطائفية والعرقية بوضوح وإسفار بل هم حتى في تجمعاتهم وندواتهم يحتمون بعباءات بعض رجال الدين وأغطيتهم !؟ الأمر الذي يوحي للمواطنين بأنهم يمثلون شكل من أشكال الأحزاب الدينية أو تابعاً ضعيفاً لها ؟!.
ومن الأسباب الذي زاد من فقدان المواطن الأمل بالتغيير قانون الإنتخابات الذي يمكن أن (يجير) إرادة الناخب لغير من إنتخبه فهو يهلك الكتل الصغير وينقل أصواتها للكتل الكبيرة !. وليس وفق القائمة المفتوحة التي تتيح للناخب إنتخاب شخص بعينه بغض إنتمائه لكتلته وفرز من يحصل على الأعداد الأعلى لكل دائرة إنتخابية (ويمكن الأعادة في حال عدم أكتمال العدد المطلوب للدائرة الإنتخابية). الأمرالذي كان يمكن أن يشجع الناخب على المشاركة طالما أنه ضامن أن صوته لن يذهب إلا لمن يختاره هو .
كذلك هناك شك في أصل إختيارالمفوضية (الغير) مستقلة للإنتخابات التي تصارعت الأحزاب على المشاركة فيها بشكل واضح ومخجل لذا فهناك أيضاً شكوك وعدم ثقة بأستقلالية المفوضية ذاتها لدى الكثير من الناخبين الأمر الذي زاد من عزوف الناخبين عن المشاركة .
أعترف الكثير مٍن مَن شاركوا في الأنتخابات السابقة بوجود تزوير كبير فيها وهذا أمر أصبح شبه بديهي فكيف يشارك من يعتقد بوجود تزوير في إراداته ممكن أن يقلب إختياره رأساً على عقب؟! .
فضلاً عن أن قانون الإنتخابات يبيح للسراق والفاسدين المشمولين بقانون العفو العام الترشيح للإنتخابات من جديد أي ليأخذوا فرصة جديدة للفساد مستفيدين من الخبرة المكتسبة في الفساد! (رغم ان السؤال الرهيب الذي يصرخ بقوة وكيف يُنتخب الفاسد لكن السؤال المنطقي كيف يرشح من ثبت فساده ؟!)
كما بداء بعض المرشحين ومنذ الآن (قبل اكثر من ثلاث أشهرعلى الإنتخابات) شراء الأصوات وسرقة البطاقات الإنتخابية وتزويرها خصوصاً في بعض مخيمات النزوح في الأتبار والموصل وصلاح الدين مستغلين أوضاعهم المأساوية وإعطائهم الوعود الحالمة الكاذبة!.
ثبت بشكل قاطع خلال كل الإنتخابات الماضية إستغلال أجهزة الدولة وبالذات العسكرية والأمنية في التاثير على نتائج الإنتخابات وبعدة طرق منها (المباشرة) كأجبار العسكرين على المشاركة (الموجهة مسبقاً) ومشاركتهم المتعددة في مناطق مختلفة فضلاً عن وسائل أخرى خفية وغير مباشرة منها عرقلة بعض الناخبين عن الوصول إلى مراكزهم الإنتخابية بحجج أمنية متنوعة وبطرق متلفة!.
كل هذه الأسباب وأسباب شخصية وفكرية وعقائدية أخرى لدى كثير من المواطنين ساهمت بتقليص رغبة الناس في المشاركة وإذا شاركت فتشارك رغم يأسها الكبير من التغييروقد تعطي صوتها لمن لا يستحقه أو لمن لا تريده أصلاً!.
ورغم كل هذا يبقى سلاح المقاطعة سلاح معنوي وأثبات موقف لكنه لن يغير من الواقع شيء (بغض النظر عن الفتاوي الدينية بحرمة المشاركة) ويمكن أن يكون مؤشراً تاريخياً وسياسياً يشير إلى طبيعة النظام القائم ومدى قناعات الناس به أو عدم قناعاتهم وسلاح المقاطعة يؤشر أيضاً إلى وجود (تعسف أو ظلم) تتعرض له فئة محددة في حال مقاطعة تلك الفئة بشكل كبير جداً وملحوظ . ولكن هل من الممكن عملياً تحشيد أعداد مؤثرة تشير بشكل واضح وعملي إلى وجود مقاطعة كبيرة وأعتراض على عملية الإنتخابات المزورة والفاسدة في ظل أمكانيات الطرف الداعي للمشاركة الفاعلة فيها أم إنها ستكون صرخة حق في واد سحيق وصراع كلمة حق مع باطل متغلب ويمتلك التاثير على أجهزة الدولة ويمتلك المغريات والإرهاب الذي يمكنه من التأثير المباشر على نجاح الإنتخابات.
ومع هذا يبقى هناك خيار آخر قد يكون الأفضل أمام من يدعون للمقاطعة وهو السعي لبناء (كتلة بيضاء)أو(كتلة إنقاذ) تضم الطاقات الكبرى المتميزة في البلد من علماء وخبراء وأدباء وشيوخ عشائر معتبرين لهم مكانتهم الإجتماعية من غير الخاضعين للأحزاب السياسية الفاسدة ؛ ومن السياسين الذين ثبتت مقارعتهم للفساد أو للطائفية ومن الأحزاب المدنية (التي لا تؤمن بعسكرة المجتمع وتؤمن بحصر السلاح لدى الدولة وترفض الفكر والممارسات الطائفية والعنصرية) ؛ ويتم تجميع كل هذه الطاقات (الخيرة) وهي موجودة في المجتمع العراقي ليكتبوا (المشروع الوطني المناهض للفساد والطائفية والعنصرية) يلزموا كل من يشارك في هذه (الكتلة البيضاء) بالإلتزام الكامل والشديد به لغرض السعي لأنقاذ العراق من ما هو فيه .
ولما كان الوقت على تأسيس مثل هذه الكتلة والمشاركة في هذه الإنتخابات قد فات أوانه فإن تشكيلها منذ الآن ضرورة إجتماعية وسياسية تمهيداً للتغيرالفعلي في إنتخابات (2022) .
أما البديل العملي للمقاطعة الحالي و(المؤقت) فهو قيام الداعين للمقاطعة (بعرض بديل) وهو البحث عن (كتلة الطواريء) وهي (القائمة الأقرب للعدالة والوطنية والتي تضم عدد أوفر مِن مَن يظن بهم الصلاح وأعلنوا رفضهم الواضح والصريح للطائفية والفساد ولديهم “مشروع وطني مكتوب و واضح لتغير الواقع يمكنه أن يكون عابراً للطائفية ” ويظن بهم الصدق ومن غير القوائم التي قادت الفساد والطائفية والإرهاب في المراحل السابقة والذين قد يشكلون “معارضة” فاعلة وقوية في الإنتخابات القادمة وفي البرلمان القادم يمكن أن تؤثر أو على الأقل تعرقل مساعي الفساد المتوقعة من أغلب القوائم الحالية).
لعل (كتلة الطواريء) هذه قد تكون الأكثر تاثيراً والأعلى صوتاً والأكثر نجاحاً وإيجابية في التاثير التي يمكن ان تكون البديل العملي للمقاطعة في حال عجز صناعة مقاطعة عملية مؤثرة وبحكم ناخبيها ومرشحيها ستكون عابرة عملية ورافضة للطائفية التي دمرت العراق وأمل كبيراً في التغيير .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب