كلّنا يعلم الوضع المالي البائس الّذي كان عليه المسلمون في <تجمّعهم المشترك> أو ما يُطلق عليه “الدولة” بحسب ما نُقل إلينا من أخبار أجمع على صحّتها ويبرّر المنطق ذلك وفق مفهوم “الدولة” بصيغتها الّتي تُتداول اليوم على أنّها “مؤسّسات وقوانين برضا الشعب” لم يأمر بها الله المسلمون في قرآنه كما هو معلوم ولا النبيّ من الّذي يدعوا إليه أدعياء اليوم المسيّسون للمذهب أو الدين ك”داعش” مثلاً لأنّ المسلمين كانوا حينها أشبه بقبيلة أو “عُصبة” يجمعهم هدف واحد كالّذي جمع “الفتية”, ليس كلّهم بالطبع , فجزء كبير منهم كان “بين بين” متذبذب ( لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) . النساء . كشفت حقيقتهم الحوادث الّلاحقة منها “حروب الردّة” الّتي اشتعلت بعد وفاة النبيّ في خلافة أبو بكر, وما تشكيل الدولة إلاّ أمراً تلقائيّاً كان , لرسوخ المشاعر المشتركة بالمصير الواحد , تراكم “فتُدُوّل” ولا تهم البقعة الجغرافيّة , ولربّما أشدّ ما خلق للمسلمين ما يُطلق عليه “دولة” هي “حروب الردّة” , والّتي استمرّت سنتين أكلت ما أكلت من تبرّعات المسلمين أنفسهم وما يحصلون عليه من غنائم معارك من تلك الحروب علاوةً على ما أكلت من حفظة القرآن في واحدة منها وأشدّها وهي من قرّرت مصير الإسلام بعد معركة “القِرَبَة” هي معركة “حديقة الموت” سمّيت كذلك لكثرة القتلى بين جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد الّذي حفر عميقاً في الذاكرة الفارسيّة والّذي أمره أبا بكر لاحقاً بالتوجّه من العراق إلى ساحات معارك الردّة , فقد لقي 35 بالمائة من حفظة القرآن حتفهم أثناء اقتحامهم أسوار جيش مسيلمة بينهم الصحابي الشهير “أبو دجانة” حين طلب من بعض أفراد الجيش قذفه من فوق السور كفدائي .. وكانت تلك الواقعة الحافز الأكبر لجمع القرآن الّذي بين أيدينا اليوم .. انطوت صفحة تلك الحروب “الداخليّة” الّتي كلّفت المسلمين كثيراً.. عندما وُلّي أبا بكر الخلافة بعد ان صلّى إماماً بالمسلمين في مسجد الرسول شهراً كاملاً بطلب من الرسول نفسه أثناء مرض الموت الّذي ألمّ به , لم يكن يتقاضى راتباً من “الدولة” الفتيّة آنذاك , بل كان يعمل وهو خليفة للمسلمين بالتجارة ويعيل عائلته أوّل الأمر على قدر ما تبقّى لديه من أموال “5 آلاف درهم” أكيد هي مسكوكات رومانيّة , وأبا بكر كان من أغنياء مكّة قبل الإسلام كما هو معلوم لكنّ تمويله للدعوة الاسلاميّة وهي لا زالت يحملها نفر قليل جلّها ذهبت شراء لمن أسلم من “العبيد” لإنقاذهم من التعذيب المميت على أيدي قريش , ومن الّذين دفع مالاً “لشرائه” بلال الحبشي .. لذلك فقد الكثير من المال خاصّة بعد هجرته صحبة للرسول إلى يثرب , لذلك كان مكسبه من المال فيها وهو خليفة بالكاد يكفي للقوت اليومي له ولأسرته .. لم يكن بوارد أحد من المسلمين أو الصحابة أن يتصوّروا أنّ هناك رواتب تُصرف لمن يتولّون شؤون المسلمين الاداريّة وأغلبها كانت تتعلّق بتدارك فعل جيوش المسلمين وهي في ساحات المعارك على بعد مئات الكيلومترات .. فعن ابن سعد عن عطاء بن السائب قال : لما بويع أبو بكر رضى الله عنه أصبح وعلى ساعده أبراد , “يعني ما نسمّيه بالعامّيّة “جْلالْ” بسكون حرفي الجيم والّلام , وهو ذاهب الى السوق فلقيه عمر “فركب رأسه الطير” فقال: أين تريد ؟ قال : السوق ، قال : تصنع ماذا وقد ولّيت أمر المسلمين ؟ قال : فمن أين أطعم عيالى ؟ فقال عمر : إنطلق يفرض لك أبو عبيدة ، فانطلقا الى أبى عبيدة فقال : ( افرض لك قُوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم ولا بأوكسهم وكسوة الشتاء والصيف ، إذا أخلقت شيئاً , رددته وأخذت غيره .. ففرض له كل يوم نصف شاة وما كساه فى الرأس و البطن ) ..ولنتخيّل اكتظاظ بيت المال آنذاك بغنائم الفتوحات “تحرير العراق والشام من الفرس والبيزنطيين” ثُمّ يمنح خليفة المسلمين مثل تلك الحصّة “التمونيّة” ..