22 ديسمبر، 2024 5:23 م

لمحات من خروج الإمام الحسين ع على يزيد

لمحات من خروج الإمام الحسين ع على يزيد

كلية التربية للبنات- جامعة بغداد

[email protected]

    الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه المنتجبين. وبعد.

    فقد كتب احدهم أن الإمام الحسين عليه السلاملم يخرج على يزيد، والا لماذا اصطحب النساء والأطفال معه.  لكن المغرضين دبروا له القتل والتمثيل بجثته الشريفة ومن معه لاتهام يزيد مكيدة به.

   وهي وجهة نظر تبدو متعجلة من غير دراسة وبحث واطلاع على التأريخ، والروايات الكثيرة تتقاطع مع ما ذهب اليه،

   والأحداث والروايات كلها تشير الى أن مضايقات الامام الحسين بدأت في مدينة رسول اللهص وفي أثناء توجهه الى مكة المكرمة، ومن ثم مسيره الى كربلاء. حتى مقتله.

  يقول كاتب مصري في مقال له: (عاشوراء بين السنة والشيعة) : ” إن من قتلوه (الحسين) ما كانوا ليجرؤوا على الإقدام على هذه المجزرة لو علموا أن يزيد سيغضب عليهم، أو يقتص منهم، دعك من كل الروايات الهزيلة التي تقول إن يزيد بكى لمقتل الحسين، فقد صُنعت هذه الروايات صنعًا ووُضعت وضعًا؛ ذرا للرماد في العيون”.

  ولا يختلف المؤرخون بأنّ الحسين خرج على يزيدلأن ذلك كان من واجبه، مهما كانت العواقب، لأن القضية الأساس لديه هي الاسلام، فقد بلغ الاسلام في عهد يزيد مرحلة الاحتضار لانقلاب يزيد على الاسلام ومحاولة طمسه. ولولا موقف الحسين وتضحياته لما بقي الاسلام بعده بضع سنوات.

  فما قام به يزيد من أحداث ومحاربة علماء الاسلام والتابعين بالقتل والتشريدهم في بلدان مختلفة نائية. وفرضه تعتيما على الاسلام الحق في عهده اذ كان يشجع القصاص والكذابين تشويها  للإسلامالحقيقي. و كان يقرّب الفكر المعادي للإسلام فقد أحيا أقوال كفار قريش المشركين، وفتح أبوابا للشك بالرسالة المحمدية والقرآن الكريم، فقد عاش في كنفه (يوحنا الدمشقي) من المقربين اليه وهوصاحب كتاب (الهرطقة المائة) الذي عدّ الاسلام هرطقة مسيحية واتهم محمدا بالكذب، وادعا انه سرق القرآن الكريم من الديانات السابقة وأضاف اليه اساطير الأولين... وغير ذلك من الاقوال الخبيثة التي ما يزال أعداء الاسلام يرددها، وهي أساسا من أقوال المشركين العرب صاغها يوحنا الدمشقي المقرب الى يزيد.

  هذا مثال واحد من أفعال يزيد، لقد أراد اسلاما ليس فيه علي بن أبي طالب ولا عترة رسول الله ص.لكنه فشل فما يزال الحسين يعيش في ضمير الأحرار.

وبعد زوال دولة الأمويين زال التعتيم على الاسلام الحق وعاد الإسلام مع العلماء الذين شردوا.فظهرت الكتب والمذاهب والدراسات والعلوم الاسلامية والقرآنية واللغوية والحديث الشريف بعد زوال الأمويين. حتى ان اللغة العربية كانت نفسهاتحتضر في عهد يزيد اذ كانت لغة البلاط والدواوين غير اللغة العربية.

  فكان من واجب الامام الحسين تحمل مسؤوليتهتجاه نصرة الدين الاسلامي وحماية رسالة جده رسول الله ص ومواجهة الكفر الذي واجهه رسول الله في بواكير الاسلام.  لكنّ الامة الاسلامية قبعت بين الترهيب وسياسة الطمع والخوف والظلم والقسوة. فلم يجد من يخرج معه. فخرج بنفسه ونسائه وعياله قدوة وتشجيعا للامة، وجعل من نفسه وعياله قربانا لله لإحياء الاسلام، وصار قتله صدمة أعادت للامة انتباهها ورشدها للخنوع الذي عاشت به بسبب القمع اليزيدي.  

   أحدث استشهاد الإمام الحسين صدمة وعي لدى عامة المسلمين، صدمة كبيرة استنهضت الهمم بعد أن قتلها يزيد في نفوس المسلمين، حتى الامويين انفسهم تأثروا بهذه الصدمة، اذ تحولوا عن منهج يزيد وعادوا الى الإسلام والقرآن الكريم واللغة العربية فقام الوليد بن عبد الملك بتعريب الدولة والدواوين، لكنهم ارادوا اسلاما ليس فيه علي واهل البيت ولا أتباعهم..

   وما تزال نهضة الامام الحسين ع وثورته قائمة على مرّ الزمان مع الأجيال، جيل بعد جيل لم تتوقف قط رغم المحاولات الكثيرة لطمسها، لكن شاء الله أن تكون مستمرة صيحة متجددة ضد الظلم، كأنهاحدث كوني يتجدد مثل الأحداث الاسلامية العظمى التي تتجدد كالحج والصيام، وصارت شعائر احياء نهضة الإمام الحسين ع باقية متجددة وذلك من كرامة الله تعالى لتضحيات الامام الحسين ع. كيف لا وهو الكريم الشكور؟!

   كل شعيره لها دلالات في احياء ذكرى الجريمة البشعة. ولكن ما  يزال الكثير من الآخرين لا يتدبرون مغزاها ودلالاتها. قال الكاتب المصري نفسه: “ليس لدي أدنى شك في أن ما يقوم به الشيعة من جلد الظهور، وخمش الوجوه؛ حزنا على خذلانهم الحسين وقعودهم عن نصرته، ليس من الإسلام في شيء، بل وليس من العقل، أو الحكمة في شيء، فهو عمل عبثي، لا يخدم قضية الاستشهاد، ولا له أدنى صلة بأهداف الحسين التي سعى إلى تحقيقها.

   هكذا يفهم هذه الشعائر ولا يتبر في مغزاها واستمرارها وتجددها. نعم ثمة شعائر مغالية رفضها علماء الشيعة، يقوم بها بعض الناس عن قصد أو جهل، فقد جعلها الله باقية لإحياء ثورة الحسين واستدارة الزمان كل عام للتذكير بالجريمة البشعة، ومحاربة الظلم، ولتجديد الاسلام. وهي الحزن على مقتل الامام الحسين وعياله بالمجالس والوعظ والاطعام والزيارة ومشاركة الجموع في كل البلدان الاسلامية حتى البلدان التي تمنع وتقمع هذه الشعائر.

   فالناس مختلفون في كل مذهب منهم مغال ومنهم مقتصد، فبعض السنة مثلا يظهرون الفرح والسرورفي عاشوراء. ولكنومن ذا الذي تطيب نفسه بإظهار الفرح والسرور بيوم كادت تفنى فيه عترة النبي صلى الله عليه وسلم عن بكرة أبيها، ومن ذا الذي تطيب نفسه بإظهار الفرح والسرور، في يوم  لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا، وشهده، لأحزنه، وأغضبه؟!

   إنّ للإمام الحسين ع فضل على الاسلام وكل المسلمين بمذاهبهم المختلفة. اذ لولا تضحياته وثورته لمات الاسلام او انحرف في الاقل.