22 ديسمبر، 2024 12:53 م

لمحات الوردي… النهاية والمصير

لمحات الوردي… النهاية والمصير

انتهيت اليوم من قراءة ملحق الجزء السادس من سلسلة وموسوعة لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث للدكتور عالم الاجتماع العراقي علي الوردي (ت ١٩٩٥)، وهو المجلد الأخير من هذه الموسوعة وخاتمتها.

يمثّل هذا الجزء وثيقة تاريخية مهمّة لمنطقة الخليج العربي والعراق والشام، إذ تطرّق لذكر أحداث وقعت في بداية القرن العشرين، وكان لها الأثر الأكبر في تشكيل واقع هذه المنطقة الجغرافية وما هي عليه اليوم.

جرى تخصيص هذا الجزء لبحث موضوع الإشراف (أشراف مكة) أو العائلة الهاشمية التي كانت تحكم منطقة الحجاز، حيث بحث الدكتور تاريخ هذه العائلة، ومرّ بذكر أبرز شخصياتها ممن حكموا الحجاز، وعرض صفاتهم ومواضع قوتهم وضعفهم، وأخيراً ذكر الصراع الذي حدث بينهم وبين ابن سعود (عبدالعزيز، مؤسّس الدولة السعودية الحديثة)، الصراع الذي انتهى بسيطرة ابن سعود على الحجاز وضمها إلى نجد، وتأسيس المملكة العربية السعودية، وما رافق هذا الحدث التاريخي من تقلبات وأحداث وصراعات وشخصيات كان لها تأثير كبير على  منطقة الخليج العربي بصورة خاصة وعلى الواقع العربي والإسلامي بصورة عامة.

وذكر الوردي أيضاً المشكلات التي رافقت ابن سعود بعد سيطرته على الحجاز، وأهم تلك المشكلات هم الجماعة التي تعرف ب(الأخوان)، وهم حركة دينية  يتبعون محمد عبدالوهاب (الوهابية)، وهم مجموعة سلفية متشدّدة أعتمد عليهم ابن سعود كثيراً في معاركه، وكان لهم المساهمة العظمى في فتح الحجاز والسيطرة عليها، ولكنهم بعد ذلك أصبحوا عبئاً على ابن سعود، مما اضطره إلى قتالهم والقضاء على ابرز قادتهم لتدخلهم في أمور السياسية وإدارة الدولة، وهذا الملحق كان أفضل خاتمة لهذه الموسوعة العظيمة، التي عدها الدكتور الوردي في مناسبات عديدة (مشروع العمر)..

وعطفاً على (مشروع العمر) للدكتور الوردي هنالك معلومات قد يجهلها الكثير من قرّاء ومحبين الدكتور الوردي، وهي أنه لم يرد لهذه  الموسوعة  أن تتوقف على ما توقفت عليه، بيد أنه كان مستمر بتأليف ونشر الأجزاء تباعاً، ولكن السلطة البعثية منعته آنذاك الدكتور من مواصلة الكتابة والنشر في عام ١٩٧٩. وهذه المعلومة أكدها الكثير ممن عايشوا الدكتور الوردي وجايلوه، وكتبوا بعض من سيرته، مثل سلام الشماع في كتابه “من وحي الثمانين” ومحمد عيسى الخاقاني في كتابه “مئة عام مع الوردي” وماجد السامرائي في كتابه “الدكتور علي الوردي دروس في حياتي” وغيرهم، ولك أن تتخيّل عزيزي القارئ أنّه مُنِع من التأليف والنشر في عام ١٩٧٩ وتوفي هو في سنة ١٩٩٥، أي مرّ ما يقرب من الستة عشر عاماً والوردي متوقف عن النشر، ولكنه بكل تأكيد أنه لم يكف عن البحث والتأليف والكتابة (من دون أن ينشر ما يكتبه) ، خصوصاً أنه كان مهتماً بمواصلة الكتابة في موسوعته“لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث” ، وأيضاً سيرته الذاتية التي كان يريد لها أن تكون تحت عنوان “سينما بغداد”، والسؤال هل كتب الوردي في هذه المدة التي ُمنع فيها من النشر، وهي مدة طويلة زمنياً، والجواب بكل تأكيد أن الوردي لم يترك هذه الفترة الزمنية من غير أن يكتب فيها شيئاً ما ، فربّما أنه أكمل ما يريد كتابته من الموسوعة، أو كتب سيرته الذاتية (سينما بغداد).

والسؤال الآخر هو اذا كان الوردي كتب في هذه الفترة التي مُنع فيها، فأين الأشياء التي كتبها؟، وهذا السؤال الذي لا نعرف اجابته، ولربما لدى اسرته والمقربين منه ما يشفي صدور القراء والمحبين من جواب..