18 ديسمبر، 2024 8:02 م

لماذا يكرهون إيران؟

لماذا يكرهون إيران؟

‎لعل بعض القرّاء لا يعرف ما اعرفه عن ايران زمن الشاه (قبل عام ١٩٧٩) يوم كانت مركز ثقل النفوذ الامريكي في الشرق الأوسط.

‎ كانت ايران لامريكا أهمَّ من اسرائيل (التي هي فلذة كبد امريكا)، وأهمّ من تركيا (التي هي عضو في الناتو).

‎كانت تشكل – مع تركيا، لصالح امريكا- طوقاً جنوبياً يحتوي الاتحاد السوفييتي.

‎كما كانت تشكّل (منفردةً ودون مشاركة تركيا) عائقاً يحول بين الاتحاد السوفييتي وبين المياه الدافئة قرب منابع النفط في الخليج (الذي كان يسمى بالخليج الفارسي).

‎كانت ايران تحمي نفط السعودية ونفط كل دول الخليج نيابة عن امريكا.

‎وكانت تحرس مضيق هرمز لتؤمّن إمدادات النفط التي تمر منه الى امريكا وحلفائها.

‎كما كانت تشكّل – مع اسرائيل- احد فكي الكماشة التي تمسك بخناق من يفكر في تحرير فلسطين.

‎وكانت تقوم – أيضاً بالاشتراك مع اسرائيل- بتزويد أكراد العراق بالسلاح والخبراء لابقاء ورقة الضغط الكردية جاهزة للّعب كلما لاحت بوادر تقارب سوري عراقي تتوجس منه اسرائيل، أو كلما فكر النظام العراقي بالخروج عن الارادة الامريكية.

‎كان شاه ايران شرطي اميركا في الخليج، بنت له جيشه الاقوى في المنطقة والخامس في العالم، وزوّدته بأحدث الأسلحة التي لا تعطيها الا لإسرائيل، وشاهدتُ بنفسي بقايا تلك الأسلحة من طائرات الفاتنوم وهليكوبترات كوبرا و شينوك C130وطائرات نقل عسكرية ضخمة من طراز قادرة على نقل مظليين ومدافع وحتى دبابات، كما اعطته صواريخ ارض جو من طراز هوك ضمن منظومات دفاع جوي متطورة، وبنت له قوة بحرية ومكنّته من بسط نفوذه في الخليج وأخضعت له رقاب مشيخات النفط (التي خضعت لها رقاب “الاعلاميين الجياع” و”المحللين الستراتيجيين الجياع” الذين ينظّرون اليوم للخطر الايراني بينما كانوا بالأمس “صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون خطر ايران الشاه”.

‎في تلك الحقبة احتلت ايران الشاه الجزر العربية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى) فلم يهمس ولم ينبس أحد من المحللين الستراتيجين الوطنيين ولا القوميين ولا الإسلاميين ولا “السنة المهمشين” ببنت شفة…

‎كانت السفارة الإسرائيلية مفتوحة في طهران، والسياحة الى اسرائيل والتجارة مع اسرائيل امرا قائما، والبضائع الاسرائيلية تغمر أسواق ايران.

‎وكان جواز السفر الإيراني يدخل اسرائيل كما يدخل الى معظم الدول الأوربية والكثير من الدول العربية بدون تأشيرة…

‎وكان الغرب يعطي ايران الشاه كل ما تريد… ألمانيا تبني له مفاعلاً نووياً في بوشهر دون ان تخشى الدول الغربية أو العربية من خطورة التقنية النووية…

‎بريطانيا تزوده بدبابات السنتوريون (وهي يومها من ارقى الدبابات).

‎ فرنسا وانكلترا اميركا ودوّل اخرى تبني في ايران مصانع انتاج السّيّارات مرسيدس وشوفرليت و بيجو ومعامل اخرى للصناعات الثقيلة

‎دول الخليج تحتضن المخابرات الإيرانية التي تعمل تحت مظلة البنوك الإيرانية و مستشفيات شيروخورشيد التي يرتفع عليها هوائي الإرسال علناً بينما تعج الغرف الخاصة بعناصر المخابرات الإيرانية المتعاونة مع المخابرات المركزية الامريكية، ولا تخلو فنادق الخليج من شخصياتها الخفية التي تجوب عواصم الخليج وإسرائيل والدول الغربية.

‎كانت ايران تعتبر البحرينَ تابعةً لها، وتصرح بذلك علناً دون ان يعترض أحد، ودون ان تثور الحمية العربية في السعودية، ولا الروح الوطنية في البحرين.

‎وكان الايراني يدخل الى مطار دبي الدولي بدون جواز سفر، كانت سلطات المطار تكتفي بالبطاقة الشخصية الايرانية (التي تسمى شناسنامه) بينما تطلب من العربي جواز سفر رسمي مع فيزة لا ينالها الا ذو حظ عظيم.

‎وكان الايراني يدخل السعودية حاجاً او معتمراً او تاجراً فيلقى كل الاحترام والحماية والرعاية، وتقوم الشرطة السعودية بتوفير الحماية له لكي يؤدي شعائره الدينية (الشِركية!) في الحرمين (مكة والمدينة) وفي المشاعر ولم يكونوا يجدون فيها أي شِرك.

‎وكان الخليج العربي يسمى في الخرائط الدولية والمنظمات العالمية بـ”الخليج الفارسي كما كان هذا اسمه في كتب الجغرافية في مدارس الدول العربية ومنها الكتاب الذي درسته أنا بنفسي (في العراق، في المدرسة الابتدائية) والكتاب الذي درسه محمد حسنين هيكل بنفسه في مصر (كما كتبه وقتها في الصحف)، ولاحقاً أبدل جمال عبد الناصر اسمه الى “الخليج العربي” ليصبح الاسم المعتمد عند العرب فقط، وفي كتبهم ومراسلاتهم فقط.

‎كانت ايران الشاه مع امريكا (ومع حلفاء امريكا في الخليج) سمناً وعسلا… وكان الملك سلمان يرقص في حفل استقبال شاه ايران لدى زيارته للسعودية

( تفرّج على رقصته في اليوتيوب على هذا الرابط https://youtu.be/oFhDeFwN2Lc) .

لم تكن ايران شيعية! ولم يكن الشيعة ابناء متعه! ولم يكونوا يسبّون الصحابة! ولم يكن لهم قرآن آخر… كانت ايران دولة مسلمة جارة وصديقة و…و…. وما احلاها.

‎لكن ما ان سقط الشاه وخرجت ايران من مظلة الهيمنة الامريكية، واستبدلت التبعية والاسترخاء بالاستقلال والبلاء ، وتحولت من عمقٍ لاسرائيل الى عمقٍ لفلسطين، وبدأت تعتبر امريكا الشيطان الأكبر، واسرائيل غدة سرطانية لابد من ازالتها… ما ان فعلت ذلك حتى تغير كل شيء:

‎· أصبحت ايران هي الشيطان الأكبر في نظر ذيول امريكا العرب.

‎· اغلقت دول الخليج معظم المؤسسات الإيرانية في بلدانها وتغيرت سياستها نحو ايران وبدأت بالتضييق على كل ما هو إيراني

‎· ألغت الدول الأوربية اتفاقية دخول الجواز الإيراني اليها بدون تأشيرة، وتبعتها الدول العربية ايضا

‎· أغلقت المصانع الغربية معاملها في ايران وانسحبت الشركات الأوربية منها

‎· ألغت امريكا عقود التسليح معها وامتنعت من تسليم الاسلحة وقطع الغيار التي استلمت ثمنها نقدا

‎· توقَّف العمل في المشروع النووي الذي كانت تنجزه ألمانيا في مدينة بوشهر

‎· بدأ الحصار الاقتصادي والسياسي

‎· ثم …..استيقظت الذاكرة العربية

…كيف؟

‎1.تذكر العراق فجأةً ان اتفاقية الجزائر عام ١٩٧٥ التي وقعها مع شاه ايران كانت مجحفة! فقرر إلغاءها من طرف واحد وشنَّ حرباً على ايران لمدة ثمان سنوات من اجل استعادة اراضي جبلية لا تجدها في اية خارطة، ولا تزيد مساحتها عن بضعة كيلومترات (اتحدى من سمع باسمها قبل ان الحرب)

‎2.وتذكرت دول الخليج فجأةً ان ايران كانت زمن الشاه قد احتلت الجزر الثلاث التابعة لامارة الشارقة..والعرب (خصوصاً الخليجيون) اصحاب غيرة وطنية وقومية! ولا يصبرون على ضيم الاحتلال!

‎3.وتذكرت شبكة الوهابية الدولية (العصية على الاختراق الصهيوني!)ان ايران شيعية، وأن الشيعة روافض مشركون وانهم اولاد متعة وانهم يسبون الصحابة، وأن لهم قرآن غير هذا القرآن.

‎ بالمقابل ارتكبت ايران اخطاءاً كثيرة ه

‎لكن السؤال هو:

‎هل ان تبدل الموقف العربي (خصوصاً الخليجي) من ايران هو رد فعل طبيعي لأخطائها؟

‎ام انه تبعية للموقف الامريكي والاسرائيلي من الجمهورية الاسلامية بسبب خروجها من الهيمنة الامريكية وادخال تحرير فسلطين في اجندتها السياسية؟

‎سؤال برسم المحللين الاستراتيجيين الذين ارجو ان يجيبوا عليه بنفس الفصاحة التي يتحدثون بها عن الخطر الايراني