هناك عدة خصوصيات إيجابية يحمله المجتمع الأمريكي كسائر المجتمعات الحضارية التي ترفض أن تكون تابعاً لأحد أو تحت وصايته، وأهم هذه الخواص تتلخص أولاً: في رفضه المطلق للاستعمار البريطاني البغيض في القرن الثامن عشر لبلاده، وإعلانه الثورة العارمة عليه، وطرده من أرضه مندحراً وهو يجر أذيال الخيبة والخذلان. ثانياً:إن الشعب الأمريكي أول شعب في العصر الحديث يعلن الفيدرالية في بلده بصيغتها الحديثة التي تتماشى مع روح العصر، التي تصون حقوق الفرد وتؤمن مستقبله وتصون الديمقراطية من نزوات الحكام. ثم لم تلبث كثيراُ حتى صارت التجربة الأمريكية نموذجاً فريداً يقتدى به في الكثير من بلدان العالم. ثالثاً: في فترة زمنية وجيزة استطاع هذا المجتمع الناهض للتو من تحت ركام الاستعمار البريطاني والتركة الثقيلة وسط دمار واسع خلفتها الحرب الأهلية التي اندلعت بين أعوام 1861- 1865 أن يشق طريقه بقوة واقتدار نحو المجد والعلا ويؤسس دولة عظيمة، هي اليوم أقوى دولة في العالم اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً وتشهد على علمية وعالمية هذه الدولة جوائز “نوبل” السويدية منذ عام 1901 التي تمنح سنوياً للعلماء والمبدعين في عدة مجالات حيوية وهامة للبشرية، ولا تخلوا مقاعدها في كل عام من عالم أو أديب أو اقتصادي أمريكي ينال هذه الجائزة العالمية.
عزيزي القارئ الكريم، لكن هناك بيت.. في أمريكا بسبب جشعه اللا محدود شوه صورة المجتمع الأمريكي العصامي لدى شعوب العالم، وهذا البيت ظاهره أبيض ناصع، إلا أن داخله أسود قاتم، لا يعرف سوى لغة الأرقام، ومن أجل هذه الأرقام التي ترمز إلى المال ونهب ثروات الشعوب من خلال الحكام العملاء، لذا لا يهتم نزيل البيت الأبيض أن ذهب شعب ما ضحية لحيلة الأرقام اللعينة، التي تجرد الإنسان من كل أحاسيسه ومشاعره البشرية وتجعله جسداً بلا روح، فعليه لا يهم “أبو إيفانكا= Abu Ivanka” أن وقع شعب أصيل ومسالم يقيم في وطنه منذ فجر التاريخ ضحية لمصالح أمريكا وحليفاتها البلدان الغربية.. لكننا نتساءل من أصحاب القرار في واشنطن والغرب، إلى متى سيظل هذا الشعب الجريح يأن تحت نير الاحتلال والاستعباد الفارسي العربي التركي البغيض! دون أن يؤدي ذلك إلى تحريك شعرة واحدة في رأس سيد البيت الأبيض وحلفائه الغربيون؟! الذين يتحملون مسئولية تاريخية وسياسية وأخلاقية ما آل إليه وضع هذا الشعب المسالم بعد الحرب العالمية الأولى، لأنهم هم من جزأ وطنه كوردستان ومزقوه إلى أشلاء متناثرة بين أربع كيانات مصطنعة خدمة لمصالحهم الاستعمارية ومختطاتهم الجهنمية لذا تركوه أسيراً بيد أناس مجرمون سفلة ومنحطون تحكم حسب نزواته وأهوائه العنصرية المقيتة. نقول لرئيس أمريكا الـ45 إذا لا يعلم فليسأل مستشاريه من هي تلك الدولة التي دعمت اللعين شاه إيران محمد رضا بهلوي بالقضاء على جمهورية كوردستان؟ أليست أمريكا وبريطانيا ومعهما الكيان التركي اللوزاني؟ لماذا يا سيدة العالم؟ كلما تسنح فرصة لشعبه في أي جزء من أجزاء كوردستان المجزئة قسراً أن يستقل ويؤسس دولته الوطنية أسوة بدول العالم يقف له البيت الأبيض الأمريكي كحجر عثرة في طريقه ويمنعه من تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة على أرض وطنه كوردستان؟.
إن الشعب الكوردي العريق، الذي جزأ وطنه كوردستان قوى استعمارية شريرة في معاهدات دولية تآمرية كانت آخرها معاهدة “سايكس – بيكو” اللعينة، لكن بمعزل عن هذه المعاهدة الخبيثة، كما أسلفنا كانت لأمريكا اليد الطولى بإسقاط جمهورية كوردستان وعاصمتها (مهاباد) عام 1946 وذلك من خلال دعم عميلهم اللعين المدعو محمد رضا بهلوي الذي غزا جمهورية كوردستان الفتية بدعم بريطاني أمريكي وأعدم قادتها في شوارع وساحات العاصمة (مهاباد) وعلى رأسهم الرئيس القائد (قاضي محمد). لقد علق إحدى الصحف الأمريكية في حينه على إعدام (قاضي محمد) قائلاً: كانت تفوح من جسده المعلق رائحة النفط. بمعنى أن أمريكا تركت الشعب الكوردي لمصير محتم على أيدي مجرم قاتل سفيه واختارت جدول الأرقام الاستدلالية التي ذكرناها أعلاه.
وفي عام 1975 كرر البيت الأبيض الحالة ثانية في جنوبي كوردستان حين باع الشعب الكوردي لسلطة عنصرية نتنة رأسها الثنائي المجرم أحمد حسن البكر وصدام حسين. وهذه المرة أيضاً من أجل ارتفاع أرقامه المالية وذلك من خلال الاستحواذ على نفط العراق وكوردستان المحتلة. مع أن الشعب الكوردي في جنوب وغرب وشمال كوردستان هو الشعب الوحيد الذي ينتمي لنفس عرق نزيل البيت الأبيض؟، وهكذا هي صلة رحمه الهندوأوروبي مع حكومات وشعوب بريطانيا وفرنسا وألمانيا الخ.
والمرة الثالثة التي سكتت أمريكا عن اغتصاب كوردستان وشعبها المظلوم، كانت في السادس عشر من أكتوبر 2017 حين هجم الأوباش من (الأعراب) والمرتزقة التر كمان القادمون من توركمنستان على مدينتي خورماتو وكركوك في جنوبي كوردستان. لقد أحرق هؤلاء السفلة البيوت والمحلات والسيارات وهجروا الناس وقتلوا الأبرياء وهتكوا أعراض الفتيات الخ. عزيزي المتابع، إن هؤلاء أبناء المتعة والدهاليز المظلمة فعلوا كل هذه الأعمال الشنيعة ببنات وأبناء وأطفال الكورد الأبرياء وضمير البيت الأبيض في إجازة لم يصح بعد. عزيزي القارئ، ربما يكرر “أبو إيفانكا” ذات الجريمة مع غربي كوردستان، لأن وسائل الإعلام نقلت لنا قبل أيام اجتماعاً دار بين رئيس جمهورية الأتراك الحذاء رجب طيب أردوغان ورئيس ترامب، وبعد هذا الاجتماع صرح الطوراني أردوغان أنه اتفق مع رئيس أمريكا الخامس والأربعون بخلع أسلحة مقاتلي غربي كوردستان، ما علينا إلا أن ننتظر حيث أن الأيام القادمة كفيل بكشف خبايا هذا الاجتماع.
حقاً يصعب علينا أن نفهم حقيقة هؤلاء الأمريكان والغربيون يكرمون العدو الشرير ويعاقبون الصديق الصدوق!! على سبيل المثال في تعاملهم مع العرب والمستعربون (أعاجم) من السنة والشيعة قاموا بقتل الأمريكان في العراق حتى وصل عدد قتلاهم إلى حدود 5000 جندي والعشرات من الغربيين. أضف لهذا أن سياسييهم إلى الآن يسموا تحرير العراق على أيدي الجيش الأمريكي بالاحتلال الأمريكي للعراق أو غزو الأمريكي للعراق، ولا يتركوا فرصة تمر دون أن يلعنوها ويسبوها ويوصفوها بأقبح الكلمات. بينما الشعب الكوردي المسالم إلى الآن بقضه وقضيضه يقول تحرير العراق على أيدي أمريكا. وشهد العالم كيف أن الشعب الكوردي استقبل جنود الأمريكان وسياسييهم بالورود والهلاهل وشعارات تعظم دور أمريكا في العالم، حتى أنهم سموا بوش الأب بـ”حجي بوش” تقديراً وتثميناً له ولدوره القيادي بإخراج جيش الاحتلال العراقي المجرم من دولة الكويت، ومنعه العراق من إبادة الشعب الكوردي في جنوب كوردستان. وأثناء إجراء الاستفتاء في إقليم كوردستان قال رئيس وزراء دولة إسرائيل: إن الأصدقاء الوحيدون للغرب وأمريكا وإسرائيل هم الكورد فلذا يجب علينا أن نآزرهم وندعمهم. لكن للأسف أن البيت الأبيض ومن خلفه بلدان الغرب.. التي تسبح في فلكه لم يصغوا إله وذهب كلامه أدراج الرياح.
لكن، ليعلم البيت الأبيض والبلدان الغربية.. وكلابهم السائبة المسعورة في الشرق الأوسط كحيدر العبادي وأردوغان ومن لف لفهم من حثالات الأرض. إن الأمة الكوردية المناضلة مصرة على أن تكمل المشوار والوصول إلى النور الذي في نهاية النفق وعنده ستؤسس دولته القومية على كامل تراب وطنه كوردستان شاء من شاء وأبا من أبا والذي لا يعجبه فليضرب رأسه ببَردي قارمان= Be berdi Qareman. هذه البَرد هي صخرة كبير في كوردستان، لقد اتكأ بظهره عليها ملك (محمود الأول) ملك كوردستان حين حارب الجيش البريطاني الغاصب في أوائل القرن العشرين فلذا سميت ببردى قارمان، يعني: صخرة البطل.
“إن قوة أمريكا العسكرية المتفوقة تلقي على عاتقها مسؤولية أن تكون الأمة المتفوقة أخلاقياً” (ألبرت أينشتاين)