23 ديسمبر، 2024 9:59 ص

لماذا يصر الوزير على تشريد الفقراء من مساكنهم ؟

لماذا يصر الوزير على تشريد الفقراء من مساكنهم ؟

في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، اشترت دار الجماهير للصحافة الدور المجاورة لمبناها الحالي في الصرافية ببغداد. ودفعت مقابلها اثماناً عالية لمالكيها. وكانت الغاية من شراء تلك الأملاك توسيع مبنى جريدة الجمهورية وأخواتها (الاوبزرفر وهوكاري ويورد )، وما يزيد عن ذلك يتم بناء عمارة أو اكثر لاسكان الصحفيين العاملين في جريدة (الجمهورية) وشقيقاتها.
وعندما حلت الحرب بين العراق وايران عام 1980 توقف المشروع هذا، وظلت بعض الدور فارغة وأخرى يشغلها مالكيها السابقين وأخرى يسكنها بعض المستأجرين.. وقد أقترح الكثير من الصحفيين على رئيس تحرير جريدة الجمهورية آنذاك أن يتم إسكان الصحفيين العاملين فيها لبعد مناطق سكناهم عن مبنى الجريدة أولاً ولحاجة (الجمهورية) الملحة إلى وجود كوادرها قريبين منها.. ووافق رئيس التحرير على هذا الرأي تحت ضغط العاملين بعد تأنٍ زاد على سنتين .
وقتها ، سألنا رئيس التحرير عن سبب هذا  التأني الطويل، فقال : أخشى أن تحدث مشاكل وضغوطات من قبل من هم في الأعلى لإعطائهم دوراً لايستحقونها. وأضاف: سترون ذلك بعد المباشرة بتوزيع هذه الدور على العاملين. وفعلاً حدث ماتوقعه الرجل فقد إستغل الكثير من كبار الموظفين في وزارة الاعلام فرصة وجود دور مملوكة للدولة للسكن فيها، وكان مدير مكتب الوزير آنذاك واحداً منهم. ولكن رئيس التحرير أصر على أن لايعطي أياً منهم داراً لأنه من غير منتسبي (دار الجماهير) ولاقى مالاقى من ضغوطات ذلك الوزير الذي أراد أن يسكن كبار موظفيه فيها.. وخسر رئيس تحرير الجمهورية الكثير من اصدقائه في الوزارة .
وتم إسكان العديد من الصحفيين والكوادر الفنية منهم ممن تحتاجهم الجريدة في أوقات متأخرة من الليل. وواجهنا مشكلة، وكنت أنا المكلف من قبل رئيس التحرير بمتابعة قضية الدور هذه. والمشكلة هي أن هناك نوعين ممن ظلوا يسكنون الدور المملوكة للجريدة، بعضهم من ملاكها السابقين، وبعضهم الآخر من المستأجرين الفقراء. وأذكر إني واجهت رئيس التحرير بهذه المشكلة، فكان رأيه فيها حاسماً: أن يترك الملاك السابقين الدور فوراً بعد أن قبضوا ثمنها واشتروا به أفضل منها. أما حالة المستأجرين، وجلهم من الفقراء، فقد ابلغني رئيس التحرير بقراره الحاسم: لن أشرد عراقي فقير لأجيء بغيره متمكن ليسكن الدار .
تذكرت هذه القضية وأنا أرى قبل أيام شرطة الأعظمية ومعهم ممثلاً عن وزارة الثقافة وهم يجولون على الدور التي تحولت بعد ثلاثين سنة الى مايشبه الخرائب، مهددين ساكنيها بتخليتها وعذرهم في ذلك (كما يزعمون) إن الوزير سعدون الدليمي يريد أن يوفر سكناً لكبار موظفيه فيها تمهيداً لتمليكهم إياها بعد عرضها للبيع على وفق قانون أحقية الساكن في الشراء .
والمفارقة هنا هي، إن الوزير سعدون الدليمي ليس المالك الفعلي للدور المذكورة، بل أن ملكيتها تعود إلى وزارة المالية، والذي عرفه الساكنون هو اجلاء الجميع باستثناء من هم مايزالون موظفين في وزارة الثقافة وهم بحدود الثلاثة. والمفارقة الأخرى هي أن أحد المواطنين الشاغلين لهذه الدور خاطب الشرطة قائلاً: لماذا يشغل الوزير الدليمي نفسه بقضايا صغيرة ؟ ولماذا لايكرس وقته لحفظ أمن العراقيين باعتباره وزيراً للدفاع؟ فكان رد أحد أفراد الشرطة: أسألو الوزير عن ذلك !